صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا» وصحيح أن النبي قبل الهدية كما يقول إخواننا المصريون، لكن أن تتحول ظاهرة التهادي أو تبادل الهدايا من عرف اجتماعي وديني جميل إلى ظاهرة غير صحية وخاصة بين النساء فذلك هو الأمر غير المقبول وغير المستساغ.

لقد أصبحت الهدية في عصرنا الراهن نوعاً من أنواع النفاق الاجتماعي، ونوعاً من أنواع الفشخرة التي لا لزوم لها، فلم تعد الهدية تدل على الود والمحبة بين المتهادين، ولكنها أضحت نوعاً من أنواع التفاخر والتظاهر المزيفة. فإذا ما خطبت الفتاة انهالت عليها الهدايا من كل حدب وصوب وخاصة من صديقاتها وصويحباتها، وإذا تزوجت فإن الهدايا من قريباتها ومعارفها تنهمر عليها كما ينهمر المطر من السماء.. أنواع كثيرة وعديدة من الهدايا مما خف وزنه وغلا ثمنه تصلها كل يوم ولشهور طويلة من الأقارب والأباعد.. وتتسابق الصديقات والقريبات في انتقاء الهدايا إرضاء للزوجة الجديدة والصديقة الحنون الوفية.. والزوج المسكين لا تصله من أصحابه وأصدقائه «البخلاء» ولا هدية واحدة مع أن الزواج وتكاليفه تحملها هو دون غيره و«فلفصت» ما تبقى عنده من مال. وإذا ما ولدت الزوجة مولودها الأول، فلا زيارة لها بدون هدية لها أو للمولود الجديد «عيب آخر عيب.. آدخل عليها ويدي خالية» وتتبارى الصديقات والقريبات في إظهار المحبة والسرور بالقادم الجديد.. وتجمع الزوجة الودود الولود لها ولوليدها من الهدايا ما تملأ غرفة كاملة.

وإذا مرضت هذه الصديقة الحنون ونامت في المستشفى أو حتى في المنزل، فالهدية تجهز وتغلف وتوضع فوقها الوردة قبل الزيارة.. فالهدية واجبة وهي سلك النساء في البلاد، وكان الله في عون الزوج الذي لا تعمل زوجته و «تحلبه» حلباً حتى يدفع لها أثمان هذه الهدايا المتنوعة.

أما هدايا السفر والعودة منه فحدث ولا حرج، فالهدايا للصديقات والقريبات جزء من ميزانية السفر.. «ولا تفشلنا يا بو فلان» لازم الكل يحصل على هديته ويعرف الكل أننا كنا مسافرين «بلاد بره».

وأسأل نفسي: «لماذا كل ذلك؟ ولماذا كل هذا التبذير والإسراف؟ لماذا لا تكتفي نساؤنا بالقليل من الهدايا وتتهادى في حدود المعقول وفي المناسبات الهامة فقط، بدلاً من أن تتحول هذه الهدايا إلى هم يومي عند المرأة له مناسباته الكثيرة وطقوسه وميزانيته الكبيرة».

وأعرف كثيراً من النساء العاقلات ممن يدوّرن الهدايا بينهن، فإذا كانت إحدى غرف المنزل مليئة بالهدايا التي وصلتها، فما المانع من أن تأخذ بعض هذه الهدايا وتهديها لصويحباتها وصديقاتها وبذلك تكون قد وفرت على نفسها وعلى زوجها الكثير من الأعباء المالية.

وحول موضوع الهدايا أذكر أن فضيلة المرحوم الشيخ محمد بن صالح العثيمين وجه له سؤال منذ سنوات حول حكم إهداء الرجل هدية لامرأة لا تقرب إليه بأي صلة قرابة وكذلك بدون وجود أي مصلحة أو غاية في نفس الرجل تجاه هذه المرأة، فأجاب فضيلته بأن هذه الهدية إذا لم يكن بها غرض محرم فلا بأس بها وقد أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم هدايا من نساء أجنبيات عنه فقبلها، وقد أهدى هو صلى الله عليه وسلم هدايا لبعض النساء.

ولكن ننبه إلى أن مقصد الشرع في الحث على التهادي بين المسلمين هو ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «تهادوا تحابوا» وذلك من أجل التواصل الذي يؤكد المودة، ولكن الغالب في أحوال الناس في هذا الزمان الضعف وقلة الدين، ويخشى في التهاون بين الرجال والنساء أن يُفتح على كل من الرجل والمرأة باب من الشر يعز غلقه.. وقد قرر الأصوليون أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

فلو أمن السائل الكريم على نفسه من هواجس الشيطان فهل يأمن على هذه المرأة المسلمة وساوسه وهواجسه اللعينة، فإذا غلب على الظن عدم خلو هذه الهدية من غرض محرم أو خلت وغلب على الظن أن تكون سبباً في الوقوع فيما حرم الله تعالى، فحينئذ نقول بالمنع تقديماً لجانب الحظر على جانب الإباحة، إذ إن السلامة لا يعدلها شيء.