هل مازلت تؤمن بأن مبدأ العطاء يجب أن يكون دون مقابل؟ هل مررت بمواقف مؤلمة مع بعض أقربائك أو أصدقائك، كنت أنت المُعطي بسخاء، والمُضحي، ثم جحدوا ما عملت معهم سابقاً؟ هل تظن أنك تغيرت، وأعدت تقييم منطق علاقتك بالآخرين؟ الكثيرون يظنون، فعلاً، أنهم تعرضوا «للخذلان» من أشخاص لم يتصورا يوماً أن تكون هذه النتيجة هي خاتمة العلاقة التي تجمع بينهم.

جزء من التربية «المثالية» التي نشأنا عليها: أن نكون «خدومين» و«داعمين» للآخرين. وأن نقدم الكثير لنسعد من حولنا، وأن تكون سعادتهم ورضاهم هي المصدر الأساسي لسعادتنا. لا بأس إن تعرضنا للمشاكل. لا مشكلة إن خسرنا نحن في سبيل ربحهم هم. علينا أن نضع الآخرين رقم «1» في أولوياتنا ثم نكون نحن رقم «2» أو أكثر تأخراً. وفي الغالب يكون هؤلاء «الآخرون» هم أفراد أسرتنا، أصدقائنا، من تربطنا بهم صلات ذات شأن. لذلك تكون تضحياتنا تجاههم مقبولة ومفهومة. ولكن غير المفهوم هو حين نصطدم بأننا «نحن» لسنا ضمن أولوياتهم. وأننا لسنا موجودين على قائمة أولوياتهم من حيث المبدأ. قد نستفيق ذات صدمة وأننا تحولنا إلى كائنات بلا كيان، كل دورها خدمة «الآخرين» والتضحية من أجلهم. ثم.. ستبدأ رواية جديدة قد تكون مختلفة تماماً عن الرواية الأولى.

ولم يكن الموروث الشعبي أقل تواطؤاً من التربية المثالية التي ننشأ عليها. كثير من الأمثال تقنعك بأن عليك تقديم الآخرين على نفسك. «اعمل خير وارميه البحر»، «كن كالشمعة التي تحترق لتنير طريق الآخرين». «يا بخت من بات مظلوم ولا بات ظالم». إنها ثقافة انكسارية مغلفة بالرحمة والرفق والحنان. لكنها تُخلِف شخصيات مستَغلة، وشخصيات مستغِلة. فبعض الذين حققوا أهدافهم حققوها بأساليب انتهازية كانت على حساب الآخرين، باستغلال خدماتهم، بالاحتيال على طيبتهم الزائدة. وكثير من الذين لم يحققوا أهدافهم، كانوا يعتقدون أن الحياة ستنصفهم وتكافئهم على رفعة أخلاقهم، وأن الخير الذي يرمونه في البحر سيعود إليهم ثانية على هيئة جوهرة مخبأة في بطن سمكة، كما تقول الأساطير.

العطاء ممارسة تفاعلية متبادلة. صيغتها التبادلية هي التي تخلق الاتزان والرضا والقناعة وقبول نتائج الحياة أياً كانت مكاسبها أو مراراتها. والعطاء دون مقابل هو العامل المؤجل لأي إحساس بالخذلان والألم والهزيمة.