لم تلجأ البحرين إلى توطين مهن محددة كما تفعل السعودية لكنها تشترط نسباً مئوية متفاوتة من التوطين «البحرنة» على كل مؤسسة تجارية ودون أن تحدد المهنة التي يستوجب أن يشغلها المواطن. وأيضاً لم تحدد نسبة مئوية كهدف لعدد المواطنين في القطاع الخاص كما تسعى إليه الإمارات ولكنها من ضمن خطتها للتعافي الاقتصادي أعلنت نيتها توظيف 20 ألف مواطن سنوياً حتى عام 2024. ومن خلال خطواتها الأكثر صرامة يبدو أن الدول الخليجية تحاول تحقيق ما يعرف بـQuick Wins أو انتصارات سريعة في ملف التركيبة السكانية هدفها رفع الثقة بالإجراءات الحكومية وتحريك المياه الراكدة في ملف التركيبة السكانية- الذي يؤثر فيه أكبر تأثير كثرة الوافدين- وهو أمر له انعكاس إيجابي على الرأي العام بلاشك أما البحرين ونظراً لخبرتها في هذا الملف تفضل السير بتأنٍ وبتدرج أبطأ ودون إلزام نفسها بنسب مئوية معلنة لتوطين الوظائف. وفي المقال السابق ذكرت أن الأيام وحدها ستبين أي التوجهات ستحقق المراد.

ويؤكد د. أحمد حموده خبير السكان والتنمية بالأمم المتحدة سابقاً أنه إذا أرادت دول الخليج إيجاد الحلول لمعضلة تركيبتها السكانية المختلة عليها في المقام الأول وضع «سياسة سكانية» واضحة تضمن أن تكون معادلة «السكان / التنمية» متوازنة. ويوضح أن «الدولة التي تريد أن يكون لديها سوق استهلاكية كبيرة وقوة عمل يلبي عددها ونوعيتها الاحتياجات من العمالة لجميع القطاعات الاقتصادية وأن يكون دخلها القومي مرتفعاً وإنتاجها الاقتصادي كبيراً ومتنوعاً فإن تلك الدولة يجب أن تتبنى «سياسة سكانية» تركز على زيادة معدل النمو السكاني وبالتالي زيادة الحجم السكاني بما في ذلك زيادة الإنجاب وتخفيض الوفيات وزيادة صافي الهجرة الوافدة».

إذا مسألة زيادة الحجم السكاني لها إيجابياتها الاقتصادية حتماً ولا بأس أن تنتهج الدول الصغيرة التي تطمح لتوسيع وتقوية سوقها المحلية سياسات تدفع نحو رفع عدد سكانها بشرط أن تكون هذه السياسات مرتبطة برؤية واضحة وأن لا تعتمد فقط على احتياجات سوق العمل المؤقتة والمتقلبة وأن تراعي التأثيرات الاجتماعية جراء الزيادة. وحتى الآن لا يحصل ذلك في الخليج باستثناء خطوة تأسيس المجلس الاتحادي للتركيبة السكانية في الإمارات الذي هدفه السعي «لصياغة منهج شامل لمعالجة المواضيع المرتبطة بالتركيبة السكانية، وإيجاد حلول مناسبة تحقق الانسجام بين متطلبات التنمية المستدامة والسياسة السكانية، إضافة إلى تعزيز دور المواطن والمحافظة على الهوية الوطنية».

ومن الأمثلة الحية على غياب «السياسة السكانية» في الخليج هو وجود فائض كبير من الوافدين من العمالة غير النظامية في البحرين «الحاصلين على الفيزا المرنة كحل مؤقت» ليس لهم عمل واضح ونادراً ما يضيفون إضافة إيجابية للسوق المحلية وأيضاً وجود ما يقارب 120 ألفاً من المخالفين لنظام الإقامة في الكويت الذين تم تسليط الضوء عليهم خلال الجائحة مما دعا السلطات الكويتية إلى ترحيل أعداد كبيرة منهم وكذلك وجود حوالي 100 ألف وافد مخالف لأنظمة الإقامة السعودية يتم النظر في وضعهم حالياً حسب بيان وزارة الداخلية السعودية في مارس 2022 والأمثلة مشابهة في كل الدول الأخرى. وهذا من جانب الوافدين من أصحاب المهارات المتواضعة أما الوافدون من أصحاب المهارات الأعلى ممن يشغلون الوظائف المتوسطة والعليا في القطاع الخاص فمازال استقدامهم مستمراً بكل سهولة ودون تدقيق يذكر على الرغم من وجود البديل المحلي القادر على القيام بالعمل. وللحديث بقية.