السحر من أقدم الممارسات ذات الطابع الطقوسي التي عرفتها البشرية. يقول الباحثون إنه الأساس الأول لفكرة الأديان والعلوم. وقد ميزوا بين السحر والشعوذة والكهانة. وصنفوا في كل ذلك كتباً ودراسات كشفت عن عمق احتياج الإنسان للممارسات الغيبية التي توفر له شعوراً بالأمان والحصانة والاتزان النفسي.

بعض الباحثين يعتبر بلاد فارس مهد السحر. وأن تقديس الزراداتشتية للنار هو شكل من أشكال التعبد بالسحر والتعلق به. باحثون آخرون يعتبرون الهند هي مهد كل الأديان والمعتقدات وبلاد الحكمة، ومنها السحر. وأن كتاب «الفيدا» هو المصنف الأول الذي يضم التعاويذ الأولى التي تؤرخ للسحر واستخداماته. ثم يتطور تاريخ السحر ليصل إلى أوروبا وفلاسفتها التي تورد سيرهم زياراتهم المتتالية لفارس والهند من أجل اكتساب قوانين السحر التي يقال إنها تحولت فيما بعد إلى قوانين الفيزياء والكيمياء.

ومع اهتمام كل الدارسين بمبحث السحر وتاريخه إلا أنهم يجمعون بأن قوانين السحر هي قوانين تخيلية، تعتمد على الإيهام في فاعليتها. وما يشاع عن امتلاك السحرة لمهارات نوعية هي مسألة لا تتجاوز النوادر فقط. وقد ساهمت الأديان حين استقرت وانتشرت في التمييز بين نوعين من السحر، سحر بشري يأتي به الساحر بمهاراته الذاتية، وسحر سماوي يتلقاه الساحر من السماء عبر الاتصال مع الشياطين. وعملت الأديان على تجريم السحرة ومحاربة السحر لأنه ينازعها في بعض اختصاصاتها كالاطلاع على الغيبيات والتحكم في مصائر الناس، حسب تفسير العلماء.

وجميع الأمم تذخر في كتبها التاريخية والأدبية روايات وحكايات توثق تجذر السحر والممارسات السحرية في تراثها، مما يعني أن جميع الأمم أولعت بالسحر وحاولت الاستفادة منه، وعلى مختلف المستويات، سواء بين بسطاء الناس والعامة، أو كبار القوم والزعماء، حيث كان الكاهن جزءاً من النظام السياسي، وله سلطات لا تقل أحياناً عن الحاكم نفسه.

وإذا كانت وظيفة السحر في الماضي هي التعامل مع الظواهر الغيبية للإنسان القديم مثل المرض والموت وتقلب الأقدار، ومحاولة السيطرة والتغلب على الطبيعة الكونية ومجريات الحياة، فإن تقدم العلوم والتكنولوجيا لم يلغِ السحر، فمازال كثير من الناس يلجؤون للسحرة لمداواتهم من الأمراض ومن أثر العين والحسد واللعنات التي قد تكون حلت بهم. ومازال الكثيرون يلجؤون للعرافين وقارئي الطالع ليكشفوا لهم غيب أحوالهم. فلماذا لايزال الإنسان متعلقاً بالسحر رغم مرور آلاف السنوات على تشكله؟

إنه قلق الإنسان من المجهول، إيمانه العميق بالقوى الغامضة والكامنة في الكون التي تتحكم فيه. تلك القوى تزور البعض ليلاً أو تخاطب هواجسهم، أو يفسرونها في هيئة حادث وطارئ لا مبرر له. البشرية التي عبرت مسافات الزمن بقي في روحها شيء يشبه الجين يحن للممارسات الطقوسية التي توفر له اتصالاً من نوع ما مع عوالم وطاقات أخرى. مازال الإنسان يبحث عن حقيقة لا يفسرها العلم، ولا تتجلى أمامه بصورة مباشرة.