فارس الكلمة ترجّل بسيرة عطرة تسجل في تاريخ هذا الوطن، ترجّل وترك آلافاً مؤلفة تترحم عليه، فهو لأجل بلاده البحرين قدم أروع نموذج في الوطنية، وعلم الكثيرين كيف يكون القلم والكلمة أمضى سلاحين يُصد بهما كيد الطامعين وشر الكارهين.

رحل الزميل والأخ والكاتب والإعلامي الكبير القدير سعيد الحمد تاركاً إرثاً إعلامياً وطنياً ضخماً ومكاناً يصعب أن يشغله غيره. رحل وقد أدى أمانته على أكمل وجه، وما أعظمها من أمانة حينما تكون دفاعاً عن وطن وثوابت أمة وعن شعب مخلص.

أذكر جلساتنا معه في صحيفة «الأيام» وفي مكتبه الذي كان بمثابة تجمع يومي للصحفيين والكتاب، أذكر بأنني لم أرَ «بوعبدالله» يوماً إلا وهو ضاحك الوجه وباش في وجه الجميع. ابتسامة دائمة لا تعتلي إلا وجه القامات الكبيرة الواثقة من نفسها، المدركة لحجم وأهمية دورها الذي تلعبه لأجل هذا الوطن.

لو أردنا سرد ذكرياتنا مع زميلنا وشقيقنا الأكبر فقيدنا الغالي سعيد الحمد لما كفت السطور، ولعجزنا عن وصف هذه الشخصية التي كانت لها بصمات وتأثيرات في مسيرة كل واحد منا، كصحفيين وكتاب، وكأفراد وجدنا أنفسنا مع بعضنا بعضاً نقف صفاً واحداً دفاعاً عن بلادنا وعن قيادتنا، لم نتراجع يوماً، ولم نتهاون، ولم نهرب أمام أي موقف صعب.

هكذا كان سعيد الحمد الرجل الذي كان يتكلم فيوجِع، والذي كان يأتي بالحقائق ويسردها فيحرك قلوب البحرينيين المخلصين، وفي المقابل يزلزل الأرض من تحت مخططات من أرادوا بالبحرين شراً. كان السعيد الذي يسعد شعب البحرين حينما يطل عليهم ويتحدث معهم ويطمئنهم بأن بلادهم بخير، طالما فيها قائد كحمد بين عيسى الملك الشجاع، وفيها شعب مخلص لا يساوم على ذرة تراب واحدة.

في حفل الصحافة الأخير تحت رعاية الأمير سلمان حفظه الله، كنا نلتفت بحثاً عن فارس الكلمة وأسدها، سألت الأستاذ القدير عيسى الشايجي رئيس جمعية الصحفيين عن «بوعبدالله»، فأخبرنا بأنه لم يستطع الحضور لوعكة صحية. كانت دعواتنا جميعاً لسعيد الحمد بأن يمن الله عليه بالصحة والعافية لنراه بين ظهرانينا قريباً، فرجل مثل سعيد الحمد أينما يحل ويتواجد تجد السعادة والفرح يحلان لدى المحيطين به من زملائه، ولدى من يتذكر صولات وجولات هذا البطل من أجل الوطن.

خسارة البحرين فادحة، فها هو فارس وطني مخلص يترجل ويرحل إلى خالقه، رحل عنا سعيد الحمد بجسده، لكنه باقٍ في ذاكرتنا، صوته يصدح ويتردد في ثنايا هذا الوطن، خط بحروف من ذهب ملاحم وطنية لأجل البحرين الغالية.

رحل سعيد، لكنه ترك وراءه آلافاً يتمثلون به في صحافتنا وإعلامنا، رحل وترك آلافاً من المواطنين ممن تأثروا به وآمنوا بثوابت بلدهم من خلاله، وكانت عيونهم تنظر إليه شاخصةً، تودّ لو قدّمت ربع ما قدمه، تتمنى أن تكون بمثل شجاعته وقوة كلمته وصلابة حجته وبحجم وطنيته.

الأبطال يخلدون، وسعيد الحمد سيظل اسماً وطنياً خالداً في تاريخ صحافتنا الوطنية المخلصة، وسيظل خالداً كمواطن أصيل بدرجة «بطل» في تاريخ البحرين الغالية.

رحمة الله عليك يا «بوعبدالله» ودعواتنا بأن يكتبك الله مع الشهداء والصالحين في جنته.