حديث العاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين لقناة «سي إن بي سي» مؤخراً، وطرحه فكرة قيام تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي «الناتو»، أثار جدلاً واسعاً لدى العديد من ردود أفعال النخب السياسية العربية بين مؤيد متفائل، أو معارض متشائم من هذا التحالف.

وفي الحقيقة، فإن إعادة طرح فكرة قيام تحالف عسكري بين دول المنطقة، أعاد إلى الذاكرة فكرة مشابهة، تعلقت بقيام ناتو خليجي - عربي - أمريكي، وهي فكرة طرحها وليد فارس الذي كان مستشار الشؤون السياسة في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2016، وأثار وقتها استياءً بالغاً لدى النظام الإيراني الذي اعتبر وجود هذا الناتو تهديداً لأمن واستقرار المنطقة.

وذات الفكرة تعود مجدداً الآن من قبل العاهل الأردني، والتي أثارت أيضاً الهواجس والقلق، وتحديداً من مؤيدي وعملاء النظام الإيراني، الذين ذهبوا باتجاه عدم تأييدهم لهذا الحلف، لأنه سيشكل تهديداً لأمن المنطقة، بمعنى آخر، أنه عندما أُعيد طرح هذه الفكرة تشبث معارضيها بذات العذر الذي ربما حال دون قيامه في 2016.

ولا أظن أن الهاجس هو خوف هؤلاء على أمن المنطقة من هذا التحالف، ولكنه الخوف من تقلص دور النظام الإيراني بالمنطقة، وهو ما يعني تقليص دور مؤيديه وعملائه أو إضعافه بوجود مثل هذا التحالف، لذلك ذهب هؤلاء إلى تقديم أعذار تحول دون قيامه، وهو ما قد يعتبره البعض مجرد ذر رماد في العيون لتعطيل تنفيذ فكرة قيام التحالف.

ومن أبرز تلك الأعذار، هو ما يتعلق بادعاءات حول تقارب «وشيك» بين السعودية وإيران، بوساطة عراقية، وهو تقارب قرأنا عنه كثيراً، ولكن لم نرَه بعد على أرض الواقع، وكذلك ادعاء الرافضين لفكرة الناتو العربي أن إسرائيل ستكون عضواً في هذا الحلف، وهو ما سيُصعب من إنشائه لوجود دول غير مطبعة بعد مع إسرائيل، بالرغم من أن فكرة التحالف طرحت بشكل عام، ولم يُذكر فيها ما يتعلق بعضوية إسرائيل فيه.

إن استماتة عملاء إيران برفض فكرة هذا التحالف، يؤكد أن قيامه سيكون مصدر تهديد للنظام الإيراني، فهذا التحالف كفيل بمواجهة التحديات والمخاطر في المنطقة التي تأتي إيران ونظامها على رأس المهددين لدولها، وبالتالي فإن طرح فكرة تحالف عسكري بين دول المنطقة سيُجبر إيران على التخلي عن أطماعها التوسعية والاستعمارية فيها، فلابد من وضع حد لتلك الأطماع التي لم تجر إلاّ الشقاء والبؤس للمنطقة ولشعوبها العربية.