في خضم الأيام المتشابكة في أحوالها، وتبدل ظروف الزمان والمكان، والانتقال إلى محطات أخرى من محطات الأعمار، تتكون أمامك ملامح مشاعر متجددة، تفرض وجودها في كل مساحة من تلك المساحات، وتعطيك أملاً جديداً وبعداً محدداً لأهدافك التي تكتب أثرها في كل محطة. وعندما تستذكر مشاعر مساحات مضت من عمرك، تظل معها تستغرب من تلك الملامح التي لو قدر لك أن رجعت لتعاملت معها بأسلوب آخر، ومشاعر أخرى. ببساطة هذه هي أحوال الحياة، وطبيعة الإنسان أن مشاعره تولد من جديد مع كل إشراقة عمر جديد، لطبيعة المرحلة التي يعيشها، وطبيعة الحياة، والتفكير الذي يستغرق أحياناً ساعات من التأمل حتى يتخذ قراره.

لو قدر للمشاعر أن تكتب فصولها، لاختلطت معاني الكلمات ولم تستطع أن تسرد أحداثها بدقة.. لأنها تجول في الخواطر مرة، وترتبط بالقلب مرات عديدة، وتتصارع مع الفكر في مرات أخرى. ولكنها في كل الأحوال تستذكر أجمل المساحات الجميلة في محطاتها التي مضت، وكلما مرت بضائقة، استذكرت محطات المشاعر الجميلة الناجحة التي استطاعت من خلالها أن تعطي أمل الحياة للآخرين، أو تغير حياتهم وتترك فيها الأثر الممتد حتى سنوات طوال. إنه طيف المشاعر الذي يظل أصيلاً في كل مساحات الحياة، وفي كل الأزمنة. فهو تلك الخيرية الفاضلة التي تتعامل مع الحياة بأسلوب الحب والسعادة والرفق والحلم والهين وجبر الخواطر والتسامح والحكمة والطمأنينة والابتسامة المشرقة. فهي ثوابت لا تتزعزع في ذلك الطيف، لا تتغير مع مرور الزمن، فقد ولدت مع صاحبها في اللحظات الأولى من إطلالته على الحياة. فتراه في موقف ما يفتر ويخرج عن مسار أحاسيسه الآنية وفي لحظة تعارك حياتي، ولكنه سرعان ما يعود بعد لحظات معدودة إلى «طيف مشاعره» التي نشأ عليها، وكانت عنوان أثره الجميل في تعامله مع الآخرين.

صاحب «المشاعر الخيرية» يتميز دائماً بأحاسيسه عن ذلك الشخص الذي يُعنف أحاسيسه بدون أن يشعر، ويبصر مشاعر الماضي كلما مرت عليه مواقف أخرى شبيهة، فيتعامل معها بعنف المشاعر «وبرد الصاع بصاعين» وإن كلفه الأمر خسارة العلاقات الحميمية التي تربطه مع الآخرين. من هنا كان التميز لتلك المشاعر الولادة للخير في كل مرحلة من حياتها، فهي وإن تعاملت بأسلوب مغاير عن المرحلة السابقة، إلا أنها تحافظ على منحى الخيرية في تعاملها مع كل فصول الحياة، وتستكمل رحلتها في الحياة بثبات وطمأنينة، لإيمانها العميق أن حبها لله عز وجل ومشاعرها تجاه ملك الملوك هو الحب الأول الأصيل، فمن خلاله تنطلق عجلة المشاعر تجاه كل أحوال الحياة، بحب ما عند الله تعالى الأبقى. من هنا فكل المشاعر يجب أن توضع في ميزان حب الله سبحانه وتعالى، فإن أحبه الله تعالى أحبته المشاعر بصدق، وتحول إلى واقع عملي ملموس في كل علاقات الحياة.

لا تتعامل مع الحياة بعنفوان المشاعر، بل تعامل معها بميزان محبة الله عز وجل وصدق النوايا وابتغاء الأجور، واحذر أن تغضب لنفسك، بل تغضب لله عز وجل، فمشاعر النفس في أحيان كثيرة تتعامل مع المواقف بلحظات الغضب الآثمة، ولكن تبقى «خيرية المشاعر» التي ترجعك سريعاً إلى ميزان «ما يحبه الله والأثر البائن الجميل» هي المنتصرة في نهاية المطاف، وما سوى ذلك هباءً منثوراً.

ومضة أمل

اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك.