‏أعلن الرئيس الأمريكي بايدن وفي مستهل قرارات الإدارة الأمريكية عن العراق من مقر إقامته بجدة في المملكة العربية السعودية عن مشروع ربط العراق بالشبكة الكهربائية مع مجلس التعاون الخليجي وقد تم توقيع الاتفاقية فعلاً بين الجانبين، وبدل أن يتعهد سيادته أمام المجتمع الدولي ببناء العراق الذي دمرته أمريكا وحلفاؤها ويلزم شركاتها أو يفسح المجال لشركات الدول الكبرى ببناء المحطات الكهربائية ومحطات التصفية والغاز وفق مواصفات تقنية متطورة وإيقاف الاستنزاف باستيراده بمليارات الدولارات على مدى عشرين عاماً، فإنه يريد للعراق أن يبقى رهينة لدول الجوار وتبقى فيه الصناعة والإعمار ومجال الطاقة معطلة، فتارة يستجدي العراق وبأمواله من إيران لتزويده بكل أشكال الطاقة وبالعملة الصعبة في التفاف واضح على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها نفاقاً، وأخرى عبر شبكة الربط من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن.

ورغم أن هذا التوجه هو خطوة بالاتجاه الصحيح لإضعاف الدور الإيراني حسب ما يشاع عنه، والموقف الخليجي من العراق وأشقائه دوماً موقفاً مشرفاً وينم عن الروح القومية العالية للشقيقة السعودية والأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وسعيهم الحثيث لعودة العراق إلى حاضنته العربية، لكنه لا يعتبر حل جذري لأساس المشكلة والعاهة المستديمة التي أوجدتها أمريكا في العراق منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 في قطاع الكهرباء وحتى عهد الرئيس الحالي جو بايدن.

ثلاثة عقود والشعب العراقي يكتوي بنار الكهرباء وما يزيد عن مائة مليار دولار أهدرت ولم تبن فيه محطة واحدة واللغز لم يعد لغزاً.

وبالتأكيد فإن إيران عبر ذيولها وميليشياتها ستسعى لإفشاله، فالعراق اليوم هو سوقها بدون منافس، وكل هذه الحلول ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع، فالعراق بلد كبير لا يمكن أن يسد احتياجاته بالربط الشبكي الكهربائي، فقرار بايدن تخدير وضحك على الذقون.

علماً بأن هذا الاتفاق هو ليس بجديد فهو أساساً موجود وقد مضى عليه أربع سنوات ولم يتحرك خطوة نحو الأمام لأسباب عدة منها لكلفه الباهظة ولوجود اختلاف في مواصفات الكهرباء بين الشبكتين والأهم هو عرقلة الجانب الإيراني لتنفيذه، فلا يتأمل المواطن العراقي البسيط بأنه سوف ينعم في هذا الصيف بكهرباء مستقرة قادمة من جاره العربي.

فإنجاز هذا الربط يحتاج على أقل تقدير من الناحية الفنية لعام أو أكثر من العمل والجهد المتواصل في أحسن الظروف وبشرط أن تسبقه خطوات بتحجيم إيران وميليشياتها وذيولها التي ستفعل المستحيل لإفشاله.

ومازال الشك يحوم حول جميع قرارات أمريكا التي ستصدر عن مؤتمر جدة ومصداقيتها بإنقاذ العراق من المأزق الذي وضعته فيه والتي مكنت إيران منه طوال عقدين، لذا فإن قراراتهم من الناحية الفعلية هي حبر على ورق، وكذلك سعي الخيرين من الدول العربية وشعوبها لأي تقارب مع العراق في هذا المشروع وغيره من المشاريع فإن مصيره الفشل لطالما بقيت نفس الوجوه الكالحة والأحزاب والكتل والفاسدين على سدة الحكم فيه وغياب الحكم الوطني ورجالاته المخلصين، وطالما لا يتم ردع وتحجيم إيران وإجبارها على تغيير سياستها التوسعية في المنطقة وبدءاً بقطع ذيلها من العراق.

فحل أزمة الكهرباء وازمة المياه والصناعة والزراعة والصناعات النفطية وبسط الأمن ومحاربة الفساد وحل الميليشيات وانفلات السلاح لا تحل أبداً بقرارات من خارج الحدود فجميعها تحتاج لبناء وعي وطني وتكاتف وقرار داخلي، فالبلد مليء بالكفاءات والمهارات والخيرات، فبعد أن يتم تنظيف الداخل من الفاسدين وكنسهم وقطع دابر العملاء والخونة عندها سيعبد الطريق للأصدقاء والأشقاء والشركات والأفراد لدحرجة عجلة الإعمار والاستثمار.