قال الصديق مستفزاً:

بصراحة لم أعد أعبأ بالحديث المتكرر عن الديمقراطية، خاصة عندما يتم تسويقها على أنها البلسم السحري لحل كافة مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا في رأيي تسويق للأوهام.

قلت:

أخشى أن يكون مثل هذا الطرح يستند إلى اعتقاد يردده بعض الكتاب في الغرب والشرق، وهو أن «الديمقراطية» بضاعة غربية لا تصلح خارج الفضاء الثقافي الغربي، وأننا كعرب نعاني من عوائق ثقافية وتربوية. ولذلك يعتبرون الانشغال بالديمقراطية مجرد تسويق للأوهام، بل وينصحوننا بالتركيز على التعددية والتنوع والتسامح بداية.

قال الصديق:

مازلت أرى أن العرب غير مؤهلين في الوقت الحاضر لخوض غمار الديمقراطية لانعدام متطلباتها الضرورية، ليس لعامل زمني يمكن تداركه بتسريع الخطى أو اختصار المراحل، وإنما لقصور في الثقافة والحياة الاجتماعية ونمط العيش والقيم التي تتعارض مع الحياة الديمقراطية.

قلت للصديق:

من المؤسف أن هذا النوع من الأفكار يذكرني بنظرية الخصوصية التي تعتبر الديمقراطية بلاء وخطراً، لتبرير منع الحرية ورفض التعددية الثقافية والسياسية، وتخويف الناس منهما. وكذلك ترسانة التبريرات الجوفاء التي تدعو إلى القبول بالديمقراطية شكلاً ورفضها مضموناً. وجميع هذه التوجهات تتجاهل أن الديمقراطية مشروع متكامل، يؤخذ كله أو يترك كله، في سبيل تجاوز أشكال المفارقات والازدواجيات والأزمات. فبالرغم من وجود معوقات ثقافية وتربوية واجتماعية تسهم في تعثر التطور الديمقراطي في الوطن العربي، فإنها جميعاً قابلة للتجاوز عند توافر الإرادة من الدولة ومن النخب ومؤسسـات المجتمع المدني. وبالتالي فالتحول الديمقراطي ليس عصيّاً. والدليل على ذلك أن ذات البنية الثقافية الموسومة بالتخلف، لم تُعِق التحوّل الديمقراطي في عدد من البلدان العربية والإسلامية التي اختطت لنفسها طريقاً من الممارسة الديمقراطية، مستفيدة من الفكر الديمقراطي الغربي، ومستوعبة لمقاصده، ومستلهمة قيم الحرية والتسامح من ثقافتها وتراثها. ولذلك فالقول باستحالة تحقق التحول الديمقراطي في بلداننا ينبني على اعتقاد خاطئ ويعتبرنا غير جديرين أو غير مهيئين لبناء تجاربنا الديمقراطية الخاصة. مما يؤدي إلى تعليق الآمال على المجهول، بدلاً من العمل على بناء الديمقراطية التي أساسها الحرية. ومن المؤكد بأننا في حاجة إلى تكريس التعددية الثقافية والفكرية وما تقتضيه من قيم التسامح والتعايش، ولا يمنع ذلك من أن نسير قدماً نحو التعددية السياسية بالتوازي من تعزيز قيم التسامح والتعايش. ومن خلالها يتمكن الناس من تنفس الحرية عبر الإعلام والثقافة، بالتوازي مع بناء حياة ديمقراطية، تكرس حرية الرأي والتعبير والتّنظيم، في ظل سلطة القانون. وتبقى الحرية القيمة الأسمى والأكثر إسهاماً في نقل الإنسان نحو الحداثة، وفقاً للمعايير التي أنجزتها البشرية خلال تطورها الحديث والمعاصر. وبالتالي لا يمكن اعتبار الانشغال بالديمقراطية مجرد تسويق للأوهام، مثلما ذكرت.