لا يمكن الجزم إطلاقاً بعدم وجود أفراد وصلت بهم الحاجة إلى درجة تدفعهم لسؤال الناس للمساعدة.

هذه مسألة مفروغ منها، إلا أننا في المجتمع البحريني لم نتعود على رؤية ظاهرة التسول تتطور بشكلها الحالي.

ندرك تماماً بأن البحريني دائماً عزيز النفس، وندرك أن هناك المحتاج الذي قد يدفعه العوز حتى لبيع الماء عند الإشارات الضوئية في الشوارع، لكن أن تصل المسألة لممارسة «التسول» بأشكال غريبة ومبتكرة بطريقة مريبة، فإن هذا الأمر جديد علينا.

كنت كتبت سابقاً عن صبي يتواجد في إحدى محطات البترول والمحلات القريبة منها، والغريب أنه يتقدم منك ليطلب مبلغ وقدره 3 دنانير لشراء شنطة مدرسية، وأن هذا التبرير قاله لعشرات من الناس، كثير منهم أعطاه المبلغ المطلوب، لكنه يعود ليطلب نفس الطلب لدرجة أن طلب المبلغ نفسه وساق العذر نفسه من نفس الأشخاص مرتين أو ثلاث.

هذه الحالة تكشف لك بأن عملية «التسول» هذه ليست لحاجة بقدر ما أنها أصبحت «هواية» و«ممارسة»، والسؤال كان أين أهل هذا الصبي، وهل يعرفون ما يقوم به؟!

في بعض المقاهي الشعبية تجد أحياناً نساء بعبايات ووجوههن مغطاة بالكامل، يدخلن ويقمن بالمرور على كل طاولة ويطلبون المساعدة من الجالسين، وهي ظاهرة لم نعتدها إطلاقاً في المجتمع البحريني خاصة من النساء، ناهيكم عن الظاهرة القديمة جداً عبر الجلوس أمام المساجد وفي صلاة الجمعة تحديداً، وهنا أستذكر مقاطع الفيديو التي انتشرت ذات مرة لسيدة متغطية بالكامل تجلس وتطلب المال عند المسجد، وحينما غادرت المكان، سارت لمسافة ثم ركبت سيارتها المركونة بعيداً عن المسجد، وطبعاً كانت من طراز «لكزس».

اليوم ستجد أن التسول وصل حتى إلى هاتفك النقال، وذلك عبر تطبيقات الواتس أب والانستغرام، وشخصياً تعرضت لحالات من أشخاص يدخلون عليك في الخاص ويحاولون شرح أوضاعهم، فإما فاتورة هاتف، أو كهرباء أو مساعدة لشراء «ماجلة المنزل»، والغريب أنني حينما حكيت لصديق عن الموقف، قال لي ما هو حساب ورقم الشخص الذي طلب المبلغ والسبب، وحينما أخبرته صدمني بأن الشخص نفسه تواصل معه وطلب نفس الطلب ونفس المبلغ ولأجل نفس السبب.

مشكلة الكثير من البحرينيين أنهم لا يردون السائل، ولأصحح الوصف وأقول بأنها ليست «مشكلة» بقدر ما هي مشاعر طيبة تحرك الناس الطيبين وتستجلب لديهم «الفزعة» لمساعدة المحتاج، ناهيك عن أننا نحاول قدر المستطاع الالتزام بقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل «وأما السائل فلا تنهر»، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في وجود من «يستغل» ذلك ويمارس التسول كـ«هواية»، بل البعض وصل لمرحلة «الاحتراف» في النصب على الناس.

ووسط هذا كله، نكرر الدعوة للجهات المعنية بأن تكثف من حملات متابعة ورصد هذه الحالات، بالأخص التي تحصل في الشوارع والمحلات، لا بهدف القبض أو المعاقبة بحق المتسولين، بقدر أهمية معرفة ظروفهم وحقيقتهم فلربما بعضهم بالفعل يحتاج لمساعدة ووضعه صعب جداً.

أما بالنسبة لممارسي التسول الإلكتروني، فالتوعية للناس من قبل الجهات المعنية مطلوبة حتى لا يقعوا ضحايا استغلال ونصب، وذلك عبر توضيح طرق الإبلاغ بشأن هذه الحالات وما يتعرضون له.

وتبقى المسألة الأهم في ظاهرة التسول، وهي تلك التي تجعلنا نتمنى بأن تصل الجهات المعنية والجهات الخيرية لكل «محتاج حقيقي» لتساعده وتحفظ له كرامته من السؤال والطلب والتسول.