يقول مؤلف كتاب «فن الإقناع» هاري ميلز إن العاطفة تتفوق على المنطق بعدة مزايا، أبرزها أنَّ العاطفة تؤدي إلى تغيير السلوك بشكل أسرع مما يفعله المنطق، كما أنَّ العاطفة تتطلب مجهوداً أقل مما يتطلبه المنطق لذلك فإنها في هذا الموضع ستكون أكثر تأثيراً. كلام لو نعكسه على واقعنا اليوم لوجدناه حاضراً في عدة مناسبات شغلت الرأي العام البحريني، منها قضية «الرنقينة» وآخرها «الطفلة أميرة».

كل هذه القضايا أخذت بعداً عاطفياً في المقام الأول، ولم يتناول أي طرف أي قضية من المنظور العقلي أو التحليلي والمنطقي، فالرأي العام الذي توحد أجبر باقي الآراء على السكوت وإن كانت تحمل بعض النقاط المهمة التي لا تخلو من الحقيقة. وتحت تأثير المد العطفي الذي أصاب المجتمع حيال قضية بها طرف تربوي، اتجهت أسهم الاتهام واللوم إلى وزارة التربية والتعليم بعذر أنها الطرف المسؤول عن الحضانات وما تحتويه، ومنها استغل البعض الانجراف العاطفي للناس مقحماً أموراً لا تمت للحقيقة بأي صلة، حيث تم عرض مشاكل وأمور تبين سوء وتراجع أمور التربية والتعليم في المدارس، اعتقاداً بأن مجرد أن تكون «شخصية لها جمهور» في مواقع التواصل الاجتماعي سيكون بمقدورك الإطاحة برأس الهرم وهدم الهرم.

نشر الأكاذيب حول فئة مهمة في حياتنا «المعلم» لم تزعج مسؤولي الوزارة فقط، بل شكلت حالة من الإحباط والشعور بقلة الحيلة والانعزالية بين المعلمين والمجتمع، وهو شعور مبرر من قبل أعظم وأكثر الوظائف في المجتمع، فئة على عاتقها مسؤولية تربية أبنائنا وتعليمهم، فئة من شأنها أن تصنع أجيالاً تقود البلاد للمجد والرفعة.

قد يكون هناك شخصيات أو حالات فردية في مجال التعليم خرجت عن المسار الذي وضعته الوزارة أو عن روح التعليم والتهذيب، نعم هناك حالات شخصية تعاني مشاكل نفسية وتجعل الطالب متنفساً لتفريغ مشاكلها، ورغم كل ذلك لا يعني أن نلوم المنظومة بأكملها ونهدم صرح ومكانة المعلم، هذا المعلم الذي خرج من تحت يديه شخصيات مرموقة في البلد شخصيات ترسم مسار البلد وتخيط في سياستها، خرج من تحت أيديهم أنت وأنا وكل هؤلاء، فهل ننسى فضلهم اليوم بسبب حالة أو كذبة من شخصيات تبحث عن الشهرة؟

أود بشدة أن أطالب كلاً من وزارة التربية والتعليم والجرائم الإلكترونية أن لا تتهاون مع أي شخصية تحاول تشويه صورة المعلم، كما أن هناك حاجة إلى قانون ملزم للحسابات الإلكترونية بعدم نشر مواد أو إعادة نشرها مَنَّ شأنها إثارة الرأي العام دون التحقق من مصداقيتها. ففي حالة وجود دليل مادي مصور كما يدعي البعض الأولى والأحرى بهم التوجه للجهات المعنية في الدولة لتقديم بلاغ رسمي حول المشكلة. كلنا صادفنا في مرحلة من مراحل حياتنا التعليمية التي لم يكن فيها «التواصل الاجتماعي حاضراً» أسلوباً يمتزج فيه الشدة بالحرص، وفيها اشتهرت «الخيزرانة» وكمْ شهدنا بكاء طلاب بسببها، ليس بسبب هواية الضرب التي تحلو للمعلم بل بسبب حرصه على أن ننجز الواجب أو نؤدي المطلوب بأفضل صورة، إلا أننا اليوم نستذكر تلك الأيام ونشكر كل معلم حرص على أن نكون أفضل تربيةً وتعليماً.