نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالاً للكاتب الهندي سي راجا موهان، قال فيه إن «حركة عدم الانحياز قد ماتت ولن تعود للحياة مرة أخرى»، وهي الحركة التي ظهرت عام 1955 بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتي.

وتأسست الحركة بفكرة للزعيم الراحل جمال عبدالناصر ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو مع الرئيس اليوغوسلافي تيتو والإندونيسي أحمد سوكارنو، وكان الهدف الأساسي منها إيجاد دول لا علاقة لها بكفتي ميزان القوى التي سيطرت على العالم آنذاك، ووصل أعضاء الحركة 116 دولة كان من بينهم مملكة البحرين التي انضمت لها عام 1972.

وربما يكون الكاتب الهندي الذي أعلن وفاة الحركة على حق فيما مضى من تاريخ سابق، لكننا اليوم نجد أنفسنا في محاكاة لنفس التاريخ الذي يعيد نفسه، فها هي روسيا تحاول استعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي، بينما تحشد أمريكا دول أوروبا ضد عودة حلف وارسو الذي اختفى أثره.

ولعل تلك الأحداث التي يتابعها العالم كل ساعة بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، يستدعي للذاكرة حركة عدم الانحياز، ويطرحها بقوة كفكرة أمام الدول التي لا ناقة لها ولا جمل في تلك الحرب، ويأتي في مقدمتها الدول العربية، التي تحاول اليوم النأي بنفسها عما يحدث واتخاذ موقفا محايدا، وهو ما لا يرضي أمريكا.

ولكننا اليوم في أشد الحاجة لعودة حركة عدم الانحياز ولو بهيكل وآلية وإدارة مغايرة عن التي تأسست قبل 7 عقود، فلا يمكن أن يعقل دخول دول إلى الحظيرة الأمريكية، ولا يجب أن تغضب واشنطن من علاقات دول المنطقة بموسكو، فالخريطة السياسية للعالم مختلفة تماما عن نظيرتها في ستينات القرن الماضي.

بل إن أوروبا اليوم تظهر فيها أصوات تعارض فكرة معاداة روسيا من أجل عيون أمريكا التي لا تريد حتى أن تخسر دولاراً واحداً على تلك الحرب، بل إنها تفرض على أصدقائها بديلاً عن الغاز الروسي بأربعة أضعاف سعره، وهو ما اشتكى منه الرئيس الفرنسي في كلمته قبل أيام.

ولو كانت حركة عدم الانحياز قد تأسست بسبب خلاف القطبين الأوحدين في منتصف القرن الماضي، إلا أن المشهد اليوم يحمل أكثر من قطب رغم وجود تشابه كبير في أعضائه مع تحالفات الأمس، لكن ربما يكون للصين رأي آخر، وقد تتبدل الأحوال فتصبح أوروبا صاحبة قصب السبق في الإعلان عن حركة عدم انحياز جديدة.

* قبطان - رئيس تحرير جريدة ديلي تربيون الإنجليزية