لا يخلو العالم أو مجتمعنا وبيئتنا من التحديات والعقبات، والإنسان ليس بمعزل عن تلك المشاكل والهموم والمنغصات التي قد توثر على سلوك وانفعال الفرد مع نفسه أو مع الآخرين. فالإنسان يعيش في كبد ولا شيء يدوم، لا الفرح، ولا الحزن، ولا الصحة، ولا المرض، ولا الراحة، ولا التعب، جميعها في تعاقب. تمر على الإنسان تلك اللحظات كمتلازمة وأمر محتوم يقيس من خلاله صبره ومدى تحمّله وكيفية علاج التحديات والوقوف على كل محنة على أنها منحة، والمنتصر في معركة الحياة هو من يحافظ على صحته برغم ما يمرّ به من عقبات.

في الآونة الأخيرة، لامست اهتمام المؤسسات الخاصة والعامة بالصحة النفسية، وازدادت التوعية والإرشادات حول الصحة النفسية، وخاصة في بيئة العمل، وما يحمل ذلك من ضغوطات نفسية تؤثر على صحة الموظف وعلى عطائه ومدى إنجازه في العمل، فكل ما يدور حولنا نرتبط به بعلاقة قد تكون عكسية أو طردية. فعلى سبيل المثال كلما كانت بيئة العمل مثالية ومحفزة تُحقق زيادة في الإنتاج والإبداع وكان لها الأثر الإيجابي على الصحة النفسية للموظف، وهذا الأثر بالتأكيد سيحمله إلى منزله وأسرته. ولا يختلف ذلك عن بيئة المنزل، كلما كانت الأسرة متناغمة ومتحابة كان لذلك الأثر الطيب على الصحة النفسية لأفراد الأسرة، وهو ما ينعكس على بيئة العمل وتأدية مهام الموظف الوظيفية براحة تامة فيسعى برغبة لتحقيق أهداف مؤسسته. فبالطبع هناك علاقة واضحة في الصحة النفسية بين العمل والمنزل، فهاتان البيئتان الأساسيتان هما اللتان يمضي الفرد معظم وقته فيهما، ومتى ما كانتا نموذجيتين تحققت الصحة النفسية وانجلى ما يعرقل مسيرة الحياة والعطاء.

«اعتزل ما يؤذيك»، هي أفضل نصيحة للسلام الداخلي وما يربط هذه النصيحة بالصحة النفسية، فالإنسان يستطيع أن يعتزل الأذى مع الوقت، وهذا بالتأكيد تحدٍّ وعنصر للتفوق على النفس ويحمل في طياته الصحة النفسية. فبيئة العمل مليئة بالتحديات، ليس بالضرورة بين الرئيس والمرؤوس، هناك تحدي كسب ثقة زملاء العمل وعدم أذيتهم، وهناك زبائن العمل، وهناك العمل نفسه وتأديته بالشكل الصحيح الذي لاشك في أنه يؤثر على الصحة النفسية، واعكس ذلك على بيئة المنزل، علاقة الأسرة الواحدة، ومشاكل كل فرد في العمل والمدرسة، والأمثلة تطول ولكنها تصبّ في مصلحة الصحة النفسية. ولا ننسى بأن للتسامح أثراً كبيراً على الصحة النفسية، فالتسامح هو الصفح والعفو ويقابله التعصّب والتطرّف وهذا منبوذ، وكلما كان الإنسان متسامحاً مع الآخرين كلما عاش بسلام داخلي وحقق الصحة النفسية. كل ما حولنا لا يأتي إلا بالمحاولة والسعي المستمر، وكذلك بالنسبة للصحة النفسية لا تتحقق إلا مع المحاولة الجادة لإسعاد النفس وتجاوز عتبات التحديات.