تُعبِّر الخطةُ الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين «2022- 2026»، عن المستوى الذي بلغته مملكة البحرين في هذا المجال، في سياق ثوابت المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم حفظه الله، والتزام الحكومة بتنفيذ أهدافها وتفعيلها في الممارسة من خلال البرامج والمشروعات.

وتُعد هذه الخطةُ ثمرةً، لجهود ممتدة قامت بها وزارة الخارجية، بالتعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة.

وعند مراجعة هذه الخطة وتصفحها، يلفت انتباهنا أربع نقاط مهمة يجدر التوقف عندها:

- أولاً: تأطير هذه الخطة بالكلمة الافتتاحية لصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله، بالتركيز على «التزام المملكة بقيم التسامح والاستدامة والتنافسية والعدالة.. حتى يكون المواطن محور العملية التنموية بشكل فعال وعادل وشفاف»، بما يؤكد أنها تعكس التزامَ مملكة البحرين بتعزيز الحريات والحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحقوق الفئات الأولى بالرعاية، وتعزيز الأمن والسّلام، أي النظر إلى حقوق الإنسان في تكامل عناصرها، دون تجزئةٍ.

- الثانية: العمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان أولوية حكومية ومجتمعية في ذات الوقت: يحتاجها المجتمعُ للمحافظة على توازنه ورشاده وضمان سلمه الأهلي والكرامة الإنسانية، وتحتاجه السلطة لتعزيز الحكم الرشيد، ويحتاجه الأفراد لضبط اندفاعاتهم. ولذلك فإن المشتغلين المخلصين من أجلها، لا يجب أن تؤثر فيهم النوازع والمصالح الفئوية والخاصة، حتى لا تضيع الحقوق في فوضى التجاذبات والصراعات السياسية.

- الثالثة: سيبقى الجدل حول هذا الملف مشروعاً، بل وضرورياً لاستدامة الحقوق والحريات وتعزيزها، وإن اعتراه في بعض الأحيان بعض المزايدات، فهذا أمر طبيعي في كافة المجتمعات. لأن الجدل حولها، يفتح آفاقاً أرحب لتطويرها وتحسينها، وتعزيز المنظومة التشريعية والتوجهات الفكرية والتربوية. فكل النقاشات في صلب هذا الموضوع مهمة ومشروعة وضرورية، ولا يجب أن تزعج أحداً إلا عندما تنتقل من خانة «الدفاع عن الحقوق والحريات» إلى أداة للصراع السياسي والأيديولوجي. فتبدأ عمليات التبخيس والتشويه للتقليل من أهمية الجهود المبذولة على صعيد تعزيز هذه الحقوق. بما يسيء لهذا الملف في ذاته، ويؤثر سلباً على أصحاب الحقوق الذين يناضلون من أجل اكتساب المزيد منها. ولذلك لا يجب أن تفسد التجاذبات السياسية هذا النضال المشروع، أو أن تتحول به نحو مخاطر التدخلات الأجنبية.

- الرابعة: بالرغم من الإقرار بأن ملف حقوق الإنسان سوف يظل باباً مشرعاً للنضال من أجل تحسينه وتطويره في كل مكان في العالم، بالنظر إلى طابعه الإنساني والقانوني والأخلاقي وارتباطه بالمبادئ الإنسانية والوفاء بالعهود الدولية، فإنه يبقى -مع ذلك- متسماً بطابع نسبي، في تجلياته التشريعية والمجتمعية والثقافية، مما يستدعي القبول بالتكيّفِ التَّدريجيِّ مع المستويات المطلوبة والتطلع الدائم إلى ما هو أفضل. وهذا ما يبرر النّضال المستمر من أجل تعزيز دولة الحقوق والحريات التي عبرت الخطة الوطنية عن الالتزام بها.