وسط تأزُّم الأوضاع السياسية والاقتصادية في إيران، وتزايد حدّة التوتر والاضطرابات، واتّساع رقعة المظاهرات في شتى المدن الإيرانية ضد حكومة الديكتاتور وملالي إيران، وارتفاع عدد القتلى إلى أكثر من 250 قتيلاً بينهم عدد كبير من القصّر، الولايات المتحدة الأمريكية وكعادتها تندّد وتتوعّد حكومة إيران لقمعها هذه الانتفاضة. ولكن الصحيح أن أمريكا تطالب إيران بسرعة قمع هذه المظاهرات ومنذ وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في طهران على يد شرطة الأخلاق وجريمتها أن حجابها انزاح قليلاً من على رأسها، لذا قامت المظاهرات وأغلبها من الشابات وطالبات الجامعات اللاتي خلعن الحجاب في تحدٍّ سافر لملالي إيران، واللاتي يطالبن برحيل الديكتاتور مرشد الثورة علي خامئني وزمرته الفاسدة من ملالي إيران وإسقاط الحرس الثوري. ورغم أن هناك مصادر عربية تشير إلى تشديد العقوبات على إيران إلا أنها مجرّد فقاعات وأكاذيب أمريكية وأوروبية لا صحة لها، في الوقت الذي دعا فيه مرشد الثورة إلى التصدّي لأعداء إيران الذين يقفون خلف هذه المظاهرات وأعمال الشغب، ولكنّ المرجّح أن هذه الثورة تختلف عن الثورات السابقة التي شهدتها إيران مسبقاً، ففي 2019 قامت ثوره الجياع التي راح ضحيتها عدد كبير من القتلى، وتأتي الثورة الخضراء عام 2009 نتيجة تزوير الانتخابات والتي فاز بها أحمدي نجاد. إيران تنتهج قتل المدنيين رجالاً ونساءً وحتى القُصّر من الأولاد والبنات مهما كانت اتجاهاتهم، ولكن أن تَستهدف الفتيات من سن العشرين إلى الثانية العشرين له دلالات أكبر على قوات القمع الإيرانية. وإذا نظرنا إلى السجون الإيرانية فإنها تحوي أعداداً كبيرة من السياسيين من النساء والرجال الذين يُعَدُّون في عِداد الأموات ولا سبيل لخروجهم، وإيران تغرّد يومياً بأن الموت لأمريكا وإسرائيل، بينما الصحيح وفي أروقة الديكتاتور والمخابرات الإيرانية تحيا أمريكا وإسرائيل، وعلى هذا النهج يعيش الشعب العراقي أسوأ أيام حياته منذ أن وَقَعَ هذا الشعب ضحيّةً بين المطرقة الأمريكية والسندان الإيراني، فأرض الرافدين تشهد أبشع صور الاضطهاد والقتل والاختطاف بشتّى صوره وأشكاله، والعراق يقع تحت وطأة دولتين تحتلانه وتنهبان خيراته وتبطشان بأبنائه، أمريكا وإيران. ولعل الأحداث الأخيرة التي وقعت في محيط الساحة الخضراء والمدن الشيعية التي ضاقت ذرعاً من الوجود الإيراني والأمريكي فقامت المظاهرات التي تنادي بخروج إيران من العراق، ولولا الدعم الأمريكي لإيران لاستطاع الشعب العراقي سُنّةً وشيعةً إخراج إيران وحشدها الشعبي من العراق. فعلى الصعيد الإعلامي تُصرّح أمريكا بأنها مستاءة من الوضع المتدهور في العراق وأنها صديقة للعراق والعراقيين، متناسيةً أنها من سلّمت مفاتيح بغداد لإيران عن طريق حاكمها الإداري بريمر. وإلى الآن تتمركز أمريكا في العراق تتقاسم مع إيران خيرات وبترول العراق. في الوقت نفسه تقوم إيران بمباركة أمريكية بقصف يومي مركّز على القرى الكردية في العراق. الحكومة العراقية من جهتها قامت باستدعاء السفير الإيراني في بغداد وتسليمه مذكّرة شديدة اللهجة إلى بلاده، أما الجامعة العربية فلاتزال تُراقب الموقف.

* كاتب ومحلل سياسي