يبدو أن المزاج الجماهيري فيما يخص الانتخابات النيابية والبلدية اليوم، لم يستسغ حتى هذه اللحظة بأن يتقبل التصويت للمنتمين للجمعيات السياسية عموماً، حيث عرف غالبية من ذهب لصناديق الاقتراع، بأن المترشح المستقل، ممن يملك المؤهلات والكفاءات الوطنية والقانونية والعملية، سيكون أفضل أداءً وتميزاً من المترشح الأسير الذي لا يستطيع العمل إلا عبر عباءة الجمعية السياسية التي ينتمي إليها، حتى ولو خالفت قناعاته وإرادته.

وحول نظرتنا الخاصة وما التمسناه خلال التجارب النيابية السابقة، والتي يمتد عمرها لنحو 20 عاماً، فإننا نؤمن بأن النائب المستقل من أصحاب الكفاءات الوطنية المخلصة، هو أكثر عطاءً وتفاعلاً مع الناس وقضاياهم، ولهذا فإن الجمعيات السياسية، سواء المشاركة منها أو حتى المقاطِعة، لم تستطع إقناع الشارع بإدائها، ولم تفلح في تشكيل نظرة إيجابية حول ذلك الأداء الباهت خلال تواجدها تحت قبة المجلس!

لا يمكن للإنتخابات أن تسير وفق فتاوى دينية أو سياسية مسمومة لخلق مناخ من الإقناع أو خلافه، فالمشاركة كانت ومازالت قناعة، ولا يمكن لأي جهة أو جمعية سياسية مصادرة هذا الحق، حتى ولو ادعت تبنيها للعمل الديمقراطي الحر، لأن هذا الخيار الشرس، هو في حدِّ ذاته يحمل بذور الدكتاتورية التي تؤمن عادة باللون الواحد، والطيف الواحد، والصوت الواحد.

فما كان عند بعض الجمعيات السياسية بالأمس حلالاً، صار اليوم حراماً فجأة واحدة، حتى دون تغير المعطيات الفعلية والسياسية بين ما كان حلالاً بالأمس، وما كان حراماً اليوم، وهذا يدل على عدم قدرة الجمعيات السياسية بأن تفرض سلوكها الدكتاتوري المركزي بشكل ديمقراطي، ولهذا فإن الناس ذهبت بإرادتها للمشاركة في الانتخابات بشكل طوعي، لأن لا يمكن أن تصبح المشاركة جائزة حين يشاركون، وحراماً حين لا يشاركون، حسب رأي الشارع البحريني.

من هنا، وكما أسلفنا في بداية حديثنا هذا، بأن الناس ربما «كفرت» بالجمعيات السياسية، خاصة تلك التي كانت تستخدم الدين والعواطف المجردة لتمرير أفكارها على الناس، فالشعب اليوم أكثر وعياً من أن تقوم أي جمعية سياسية مسمومة من العبث بوعيه وإرادته، لأن الديمقراطية الحقيقية هي إعطاء الناس حريتهم في الإختيار، وليس مصادرة تلكم الحريات النابعة من قناعات قوية وراسخة لديهم، وبشكل واضح لا لبس فيه ولا مِراء.