أكثر من أربعين عاماً ونحن نحذّر أوروبا من إيران، منذ استيلاء نظام ثيوقراطي على الحكم في إيران بناؤه الفكري مؤسس على نظريات طوبابوية لا تقاس بالمنطق العقلاني، ونحن نقول لأوروبا عاجلاً أم آجلاً سيصل شرر نيرانه لكم، واليوم فقط تقول لنا رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين «إننا تأخرنا في فهمكم وتصديقكم».

منذ بداية اهتمام أوروبا بالملف النووي الإيراني قبل الاتفاق الأول كنا نقول لهم إن برامجهم الأخرى كالصواريخ الباليستية وكالمسيّرات أخطر علينا من النووي الإيراني، هذا الكلام كان عام 2012، كنا نقول إن ميليشياتهم الطائفية أخطر من مصانع تخصيب اليورانيوم، وادّعَوْا عدم الفهم، ما فعلته ميليشياتهم في البحرين والعراق واليمن ولبنان وسوريا كان أخطر من أي انفجار نووي، كانت إرهاباً راح ضحيته آلاف البشر، وتهددت مصادر الطاقة والأمن البحري الدولي، ومع ذلك ظل اهتمام أوروبا بالملف النووي.

مُنحت إيران أكثر من مكافأة، وتمّ الإفراج عن مليارات، واستخدمتها إيران في مزيد من العمليات الإرهابية ضدنا، واستعرضنا مُسَيّراتهم وقطعَ صواريخهم التي سقطت على المنطقة، ومع ذلك تدّعي أوروبا عدم الفهم، وتكتفي بالشجب والاستنكار. أوروبا لم تفهم حتى سقطت المُسَيّرات الإيرانية في دولة أوروبية، حينها فقط أدركت أوروبا ما كنا نقوله طوال عقود من الزمن.

صدّعوا رؤوسنا بنظريات احتواء النظام وبوجود أجنحة معتدلة في هذا النظام، وتبعوا الجناح اليساري الأمريكي في الاحتفاء بالإيرانيين الذين يلبسون البِدل ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة، وتمشّوا معهم وضحكوا معهم على أساس أنه بالإمكان التفاهم مع هؤلاء، وها هم هؤلاء يساهمون في موت الأوروبيين من أوكران ومن فرق اغتيالات تهدد مواطنين ومقيمين من بريطانيا وألمانيا وفرنسا.

العقوبات الأوروبية التي تسن على مؤسسات وأفراد في إيران لا تفعل شيئاً سوى تبييض وجه النظام الإيراني الإرهابي وإقناع المجتمع الدولي بأن هؤلاء المعاقبين ما هم سوى أفراد أما النظام فلم يكن يعلم!

ما علينا...

الآن حين أصبحت الطاقة المتوفرة في المنطقة هامة لأنكم تحتاجون إلى التنوع في مصادرها وعدم الاعتماد على مصدر روسي كما في السابق، الآن حين عدتم لاستخدام الفحم للتدفئة تأكدتم أنه مازال مبكراً جداً الحديث عن منع استخراج النفط والغاز وقصة الطاقة النظيفة، فهمتم الخطر الإيراني على العالم كله لا علينا فقط، وأنّ لِمصالحكم وأمنكم ارتباطاً بمصالحنا وأمننا.

الآن فقط أدركتم أنه نظام خطر ولابد من التعاطي معه بشكل مختلف. على فكرة، لم يكن الشاه صديقاً لنا أبداً، وكانت له أطماعٌ في المنطقة معروفة لدينا، ولكنه كان عدواً قابلاً للتفاهم بالمنطق العقلاني، أما هذا النظام فكيف يمكن أن تتفاهم معه وهو مصدق أنه متصلٌ بالله الذي عَصَمَهُ من الخطأ، وما أصحاب البدلات الذين تجتمعون معهم إلا تابعون له لا يختلفون في الطاعة والولاء والتبعية المطلقة العمياء عن أي صاحب عمامة منهم.

ما علينا...

أن تفهم متأخراً أفضل من ألّا تفهم أبداً، والسؤال الآن.. ماذا ستفعلون بعد أن فهمتم؟