كان حاكم البحرين في ذلك اليوم الذي يصادف 27 ديسمبر 1934 على متن سفينة بريطانية حربية وقد سأله قائد الفرقة الموسيقية للسفينة «كيف هو لحن موسيقى نشيدكم الوطني؟» فأجابه حاكم البحرين الشيخ حمد «لا نملك واحداً» فقال له هنا القائد «سنكتب لحناً لكم» وكانت الفرقة الموسيقية لشرطة البحرين وقتها والتي تشتمل على أربعة من عازفي المزمار وأربعة من عازفي الأبواق ومجموعة من قارعي الطبول لا يستطيعون قراءة نوتات الموسيقى فأوكلت مهمة نقل نوتات موسيقى النشيد الوطني البحريني إلى متخصص وهو موريس ليفي فتم تسجيل المعزوفة بنجاح وأرسل التسجيل إلى الشيخ حمد مع قدوم احتفالات الميلاد في ديسمبر من عام 1934، وتلك قصة ولادة فكرة ابتكار أول نشيد وطني للبحرين.

تلك قصة من القصص العديدة التي تدعم علاقاتنا التاريخية البحرينية البريطانية الممتدة عبر عقود طويلة والتي تتجاوز أكثر من 206 سنوات، ما شاء الله، حيث في عام 1816 وفيما يخص تاريخ التطور السياسي للعلاقات البحرينية البريطانية قام المقيم السياسي في بوشهر وليام بروس بزيارة للبحرين نتج عنها اتفاقية غير رسمية للصداقة بين الجانبين وقعها عن البحرين الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة شقيق حاكم البحرين آنذاك وبعدها تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات بين الطرفين في محطات تاريخية مختلفة من القرن التاسع عشر الميلادي لتكون المرتكز الأساسي لهذا التاريخ الحافل بيننا وبين بريطانيا، ففي عام 1820 تم التوقيع على اتفاقية السلم البحري العامة والموقعة بين بريطانيا من جانب ومجموعة من مشيخات الخليج العربي من جانب آخر من بينها البحرين.

هذا جزء من السرد التاريخي الذي جاء في كتاب «جوانب من العلاقات البحرينية البريطانية في عهد حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة «1932-1942» للدكتور حمد إبراهيم العبدالله والذي أقامه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» مشكوراً تحت رعاية الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» وبحضور السفير البريطاني لدى مملكة البحرين السيد رودريك دروموند وجمع من أصحاب الفكر والرأي من مؤسسات الدولة.

الكتاب يستعرض العديد من المحطات التي ترتكز على التسلسل التاريخي لتطور علاقاتنا البحرينية البريطانية وأهمها قصة تعيين بلجريف مستشاراً لحكومة البحرين بعد تقلد الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة منصب نائب حاكم البحرين عام 1932. ومن الصور التاريخية العديدة التي يستعرضها الكتاب هناك صورة لزيارة الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود إلى مصفاة نفط البحرين في ثلاثينات القرن العشرين الميلادي مع الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة.

من ضمن القصص التاريخية الجميلة التي يسردها الكتابة قصة اختيار جزيرة المحرق مهبطاً للطائرات الجوية البريطانية، حيث خلال السنوات الأولى من العقد الثالث من القرن العشرين الميلادي غدت البحرين معبراً جوياً هاماً يربط بين الهند وبريطانيا، وقد اتخذ قرار جعل البحرين محطة جوية بين بريطانيا والهند من قبل الخطوط الجوية الإمبريالية في عام 1932 وهبطت أول طائرة في بادئ الأمر في العاصمة المنامة، لكن بعد تلك التجربة وأمام ما جاء في التقرير الإداري السنوي الصادر عن دار الاعتماد في البحرين عام 1933 بأن الأرض التي يتم الهبوط عليها في المنامة كانت لينة جداً بالمقارنة بالطائرات الثقيلة، على إثر ذلك طلبت الخطوط الجوية الإمبريالية من البحرين الإذن باستخدام أرض جزيرة المحرق كمهبط لطائراتها، وهذه الحادثة تعكس بالطبع لمن يتفقه في التاريخ البحريني كيف جاء إنشاء مطار البحرين الدولي في جزيرة المحرق، كما تم اختيار أرض البحرين على إثر رفض الحكومة الإيرانية السماح للخطوط الجوية العبور في أجوائها وتحديداً المناطق الجنوبية من إيران والمنطقة الشرقية من الخليج العربي كما بينت صحيفة ذي أوبزرفر البريطانية عام 1936، إلى جانب أن صحيفة ذي سيتيزن الإسكتلندية أكدت أن البحرين تمتلك أفضل الأراضي الطبيعية كمهبط للطائرات ما بين جنوب لندن والهند.