في إحدى عطل نهاية الأسبوع، تعرضنا من أبناء العائلة الصغار، بهدف قضاء يوم كامل للعب مع الأبناء وطبعاً القيام بتدمير المنزل بالفوضى غير الخلاقة التي يتسببون بها.

حان موعد العشاء، كنت في الخارج فاتصلت بي ابنتي الصغيرة حتى أطلب لهم العشاء من أحد مطاعم البيتزا الشهيرة. وبالفعل دخلت على أحد التطبيقات وقمت باختيار أنواع البيتزا التي طلبوها ودفعت إلكترونياً.

كان هذا في التاسعة والربع مساء، وعبر خاصية تتبع الطلب في التطبيق كنت أتابع حتى بلغ الوقت المتوقع دقيقتين فقط. لكن بعدها اتصل الأبناء ليخبروني بأن الطلب لم يصل. الغريب أن التطبيق ظل يشير إلى دقيقتين متبقيتين على الوصول، واستمر ذلك حتى العاشرة والنصف، وهو وقت مبالغ فيه خاصة وأن المطعم لا يبعد عن المنزل سوى كيلومترات.

اتصلت لأستفسر منهم، وأخبرتهم بأنهم تسببوا في «مجاعة» للأطفال المتجمهرين في المنزل، والذين بالتأكيد سيعوضون الجوع بمزيد من التهشيم والتخريب، وكيف أن «الاتصالات المتحلطمة» التي لم تتوقف. فاعتذروا مني وحاولوا التأكد من السائق الذي خرج بالطلب والذي هو محسوب على شركة التوصيل عبر التطبيق لا على المطعم. وبعد سلسلة من الاتصالات وصل السائق في الحادية عشرة ليلاً، أي بعد ساعة و45 دقيقة.

بعدها أرسل المطعم لي رسالة نصية لتقييم الخدمة، ولكم أن تتوقعوا كيف كان تقييمي، إذ وضعت الحد الأدنى لمؤشرات الرضا، وفي خانة الملاحظات كتبت تفاصيل ما حصل، وأيضاً تخيلوا كاتب مستاء يكتب ملاحظات فيها انتقاد شديد. نعم كتبت لهم مقالاً عن أبسط مبادئ خدمة الزبائن وكيف تتحصل على رضا العميل.

جاءتني رسالة نصية تشكرني على إبداء رأيي مع وعد بأخذه بعين الاعتبار لتحسين الخدمة مستقبلاً. وبصراحة لم أكترث لأننا تعودنا من جهات عديدة تقدم الخدمات لو انتقدتها لا تنتظر رداً أو حتى تفاعلاً، بل الأدهى بعضهم لو اتصلت بهم ستسمع عبارة «نحيطكم علماً بأنه سيتم تسجيل هذه المكالمة لضمان جودة الخدمة»، وطبعاً كثير منكم تعرض لتجارب عرف بعدها أنها جملة «هلامية» تقال هكذا كيفما.

المفاجأة كانت في اليوم الثاني، إذ وصلتني رسالة رسمية من المطعم الشهير، موقعة وفيها اعتذار من أكبر مدير لهم، ووعد بتحسين جودة الخدمة بناء على الملاحظات التي كتبتها، أو بالأصح «مقال التحلطم» الذي كتبته في خانة الملاحظات. بعدها جاءني اتصال اتضح بأنه السائق الخاص بالمطعم وهو عند باب المنزل ومعه عدد من قطع البيتزا «إن عرف أحدكم جمع بيتزا فليرسل لي وله جائزة»، عموماً أرسلوا عدداً من القطع المجانية كعربون اعتذار.

المغزى هنا متمثل برسالة لمن يعنيهم الأمر في قطاعات سواء رسمية أو خاصة، أو جهات مختلفة تقدم خدمات منوعة، ويفترض بأن هدفها رضا العميل، يا جماعة، هذا محل بيتزا وليس جهة خدمية معنية بشؤون تهم الناس بشكل أساسي، انظروا لسرعة التفاعل، انظروا لسرعة الاهتمام الجاد بالملاحظات، انظروا لعملية تعويض العميل حتى يستمر في التعامل معهم وتتغير نظرته السلبية إلى إيجابية.

إنها باختصار عملية إدارة «السمعة المؤسسية» بذكاء يحافظ عليها ويعززها، ويجنبها التأثر بعدم تكرار التجارب سيئة للعملاء.

وفي هذا الشأن، أي رضا العميل والسمعة المؤسسية، حديث يطول ويطول ويطول.