«نهاية العالم ستكون عام 2021، وأوباما سيكون آخر رئيس للولايات المتحدة في عام 2016، وبداية الحرب العالمية الثالثة في عام 2010، وأن سفن فضائية ستقوم بمهاجمة الأرض عام 2022»، كان ذلك جزء من توقعات العرافة الكفيفة البلغارية بابا فانغا، التي توفيت في منتصف التسعينات.

فما بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى الرياضي والشخصي، ينشط في نهاية كل عام مجموعة من العرافين محاولين رسم ملامح مستقبلنا، حيث ينفض الغبار من حول الخبراء والأكاديميين والمتخصصين، لتسلط أضواء الإعلام على خبراء العرافة والتنبؤ والتوقع.

فبجانب الهوس في إرجاء الأحلام والطموحات والأمنيات والمشاريع حتى بداية العالم الجديد، والذي تناولته في المقالة السابقة، هناك هوس من نوع آخر أبطاله وسائل الإعلام المختلفة، تقليدية وحديثة، وهو هوس يكسر كل المتعارف عليه في العلم والتحليل والخبرات الأكاديمية والمهنية.

فلا يطل علينا عام جديد إلا وسارعت شاشات التلفزيون العربية والأجنبية باستضافة نجوم من نوع آخر، وأعني بهم العرافين، والذي يتحفوننا كل عام بسيل من التوقعات التي تخالف في مجملها قوانين المنطق والتحليل العلمي، وتتناول كل شؤون حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الشخصية.

هذا النوع من الاستخفاف لا ينسحب على المشاهد فحسب، بل وأيضاً على المحللين والخبراء من كافة الاختصاصات، وفي كثير من الأحيان يتم رمي رأي هؤلاء الخبراء والمحللين في أقرب سلة نفايات، أجلكم الله، من أجل حفنة تخاريف جاء بها عراف أو عرافة لا تستند إلى أي قاعدة أو فهم لطبيعة الأمور.

لا يمكن إنكار أن بعض تلك التنبؤات قد أصابت في بعض الأحيان، ولكننا نؤمن بقول الله تعالى «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو»، «سورة الأنعام: الآية: 59»، فقد «كذب المنجمون ولو صدقوا»، فلا تعدوا تلك التنبؤات إلا محاولات لبيع الأوهام للجمهور واكتساب مزيد من المشاهدة للقنوات التي تخصص أوقاتاً طويلة في استضافة هؤلاء العرافين، وكان من الأجد أن تستضيف خبراء يستطيعون أن يشرحوا لنا الأسباب لما سنشهده من تطورات في حياتنا ومستقبلنا.

العلم مقابل الخرافة، هذا هو الصراع الذي يعيشه العالم اليوم، وعاشه قبل ذلك على مدى قرون طويلة، وربما زيادة حالة اليأس والإحباط لدى كثير من الشعوب العربية، والتي أصبحت تبؤات العرافين تشكل لها حبل النجاة أو نافذة الأمل التي يطلون من خلالها على العام الجديد.

فعندما تتصدر عناوين توقعات وتنبؤات العرافين صدر الصفحات الأولى، فتأكد أنك أمام شعوب منكسرة، فقدت ثقتها بسياسيها وخبرائها وأكاديمييها وتحولت للسير دون وعي خلف تراهات وأوهام، بل وأصبحوا نجوم وقادة المجتمع في بعض الدول.

إضاءة

«عندما تسقط المدينة، تسود الفوضى ويكثر الدجالون والعرافون وتجار السوء..»، «ابن خلدون».