تختلط مشاعرك عندما تكتب عن رحلة من أجمل رحلات العمر، وأن تكون سفيراً تنقل إلى الآخرين مشاعر "وفود الرحمن" لأولئك الذين لم تحن الفرصة بعد لأن يكونوا هنا ليتذوقوا جمال الحياة في "أرض مكة" ولتحيا قلوبهم التي ماتت مرات ومرات في خضم أيام الحياة المتشابهة وتعب ومشقة طلب الرزق. مشاعر لا يعرفها إلا من حطت قدمه هنا في مساحات أقدام النبي صلى الله عليه وسلم الذي حج حجة الوداع وبلغ فيها الرسالة وأبلغ الأمة بمنهج الخير ودعاهم إلى أجمل الرسالات السماوية. مشاعر تمسح كل أتعاب الحياة وتعطيك أملاً جميلاً لحياة أجمل خالية من كل المشاعر السلبية المقيتة.

إنها بركة "أجمل الرحلات"؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكيرُ خبث الحديد". ففيها الخير والبركة في العمر والرزق، وبركة تجديد القلوب التي تحتاج إلى تعاهد في كل لحظة من أجل أن تكون مع الله في كل حين.

في يوم "عرفة" اجتمعت وفود الرحمن استجابة لأمر الله تعالى، فاختلطت المشاعر وبكت العيون وسأل الجميع حاجاته في لحظات دنا فيها المولى الكريم إلى عباده في أرض عرفة، فبشروا بالمغفرة والعتق من النار "ما من يوم أكثر من أن يُعتق فيه عبيد من النار من يوم عرفة، وإنه يدنو، ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم". بشارة غيّرت مجرى حياة أولئك الحيارى الذين أتوا من شتى بقاع العالم يلتمسون الحاجات ويبكون على التقصير ويتحسرون على أوقات ضاعت في المعاصي. بشارة غيّرت ملامح الوجوه، فأصبحت تقاسيم وجوه جموع الحجيج في يوم الحج الأكبر غير تلك الوجوه، فأضحت مُضيئة مُستبشرة بالأجور الخالدة والقلوب البيضاء النقية، التي ستكون على موعد مع حياة أخرى جميلة بصفحات أكثر إشراقاً ونقاءً.

جميلة هي اللحظات والمشاعر التي تعيشها هنا في مكة، تخرج كل ما في نفسك وتطهر قلبك وتتفرغ من أجل عبادة الديان. مشاعر الحُب لأصحابك الذين يُبادلونك المشاعر نفسها في هذه الحملة وتلك، ويعيشون معك بقلوبهم لحظة بلحظة في جميع المناسك، لتبقى ذكرى جميلة عالقة في الأذهان. جميلة هي اللحظات التي تستثير فيها مشاعرك لتعيد الأمل إلى جوانب أغلقت في حياتك وأخرى لم يُكتب لها النجاح، وآن الأوان أن تعود مع صفحات جديدة كنت فيها نجماً ساطعاً في العبادة "أحييت فيها قلبك" وابتسمت مشاعرك بعد رحلة المناسك الجميلة، واليقين بقبول الطاعات.

جميلة هي المشاعر في أيام سريعة الانقضاء هنا في مكة مع أحباب لك زاملتهم لحظة بلحظة في الإعداد والتجهيز لاستقبال ضيوف الرحمن، وتسابقت معهم لتقديم أفضل الخدمات التي تليق بضيوف الرحمن. هنا كانت عائلة "الفاتح والنّخبة" تسير بقلب واحد وتستثمر أوقاتها في برنامج إيماني وثقافي جميل تحت شعار "لتحيا القلوب" بأسلوب راق في التعامل مع ضيوف الرحمن؛ فالجميع أضحى في شوق لتكرار مثل هذه اللحظات، وبخاصة مع إقبالنا على "لحظات الوداع" وما أقسى هذه اللحظات في ختام "أجمل الرحلات"! لتودع هذه القلوب النقية الطيبة التي استقبلتها بحُب وذقت معها مشاعر الحج بحب، وسرت معها في موكب متناغم تُلبي وتُكبر وتحمد الله على نعمته، نعمة إتمام الطاعة والعمل، ونعمة بأن اختارك أن تكون هنا في وفادته.

تحية تقدير وامتنان لحكومة خادم الحرمين الشريفين ولجميع الفرق العاملة في خدمة ضيوف الرحمن، ورسالة حُب وتقدير لجميع العاملين في حملات الحج الذين جاؤوا إلى هنا من أجل أن يتنعموا بشرف المكان وشرف خدمة ضيوف الرحمن. وهنيئاً لمن عاش هنا بمشاعره ورجع إلى أهله ووطنه كيوم ولدته أمه. هنيئاً له فقد أكرمه المولى بأن تتجدد حياته، ويكتب له الأجر والمثوبة وصفحة بيضاء جديدة يحذر من أن يلوثها بأي تقصير أو معصية.

ومضة أمل

اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، ومُن على الحجاج بالسلامة والعودة إلى أهليهم وديارهم سالمين غانمين.. اللهم آمين.