قال الله تعالى في كتابه الكريم: (يسألونك ماذا ينفقون، قل ما أنفقتم من خير فللو الدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل، وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)، «البقرة:215».
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله»، وأحسبه قال: «كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر». وفي البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشتكي قسوة قلبه فقال له: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك». أخرجه الطبراني وصححه الألباني.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات».
طائر حطمت الظروف جناحيه، فمضى في عشه يلبس رداء الحزن، ويسكب عبرات الحسرة.. طائر فقد أعز ما يملك.. من أجل حريته وأمنه وأمانه وطمأنينته.. طائر اعتلجت في صدره ذكريات جميلة كانت ابتساماته فيها تشعل أمل الحياة، وتجمل أطياف النفوس.
هو ذلك اليتيم الذي فقد ذلك الصدر الحاني الذي يضمه ويزرع في نفسه الطمأنينة والأمل وإشراقات الحياة.. فقد حنو وإشفاق الوالد الذي رآه يوماً ما يكد ويتعب وتقسو عليه الظروف ليوفر لأبنائه وفلذات أكباده لقمة هانئة تسد جوعتهم، ويهيئ لهم راحة وسكوناً في بيت يلم شملهم.. رآه نعم الأب الذي كان يغدق عليهم نغمات بارعة من العطف والحنان، وتقسو عليه الحياة ليعود إلى بيته مشتاقاً يلم بذراعيه أجمل الورود ويتلذذ بعبق روائحها الزكية التي كان يحلم بها طوال عمره ليزين بها واحات حياته.. كل هذا الشريط الطويل من الذكريات يحمله ذلك الطفل اليتيم بين ثنايا نفسه، وهو الذي فقد والده في أهم مرحلة من حياته.. فقد من يؤدبه ويعلمه ويزكي أخلاقه.. وفقد ابتسامة وقبلات آمنة وضمة حانية كان ينتظرها بشوق ولهفة كلما أقبل عليه والده الحبيب.. ولكن هل ستنتهي الحياة وينتهي شريط الذكريات؟ كلا فلك أيها اليتيم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد عاش يتيماً، وحرم من رؤية والده، وتوفيت والدته وهو في سنوات عمره الأولى.. ولكنه ومع كل ذلك فقد عوضه الحليم الكريم بحياة علمته الكثير، حتى أضحى قائداً ومعلماً وموجهاً لأمة الإسلام نعيش تحت ظلالها الوارفة حتى هذه اللحظات من أعمارنا.
وبعد هذه الأطوار الحياتية، أيعجز الواحد منا أن يكون له النصيب الوافر في حياة هؤلاء الأيتام؟ وبخاصة إذا بشرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن كافل اليتيم سيكون رفيقاً له في الجنان الخالدة، وما أحلاه وأجمله من أجر عندما يفزع المسلم ليرقق قلبه بعد قسوة الحياة فيرحم اليتيم ويمسح على رأسه، فله بكل شعرة تمر بها يده حسنة.. وما أحلاه من مشهد جميل يقشعر منه البدن عندما تحظى بصحبة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والتلذذ بشربة هانئة من يده الشريفة.
ولله در القائل:
يا كافـل الأيتــام نلـت جــوار مــن
صــلــى عليـــه إلهنـــا وبـــراه
في جنــة تــزهـــو بصحبـــة أحمـد
طـــوبـى لعيـــن يومها ستراه
إنها المتعة الأبدية للاستمتاع بنعيم الفردوس الأعلى، والمتعة الأجمل بصحبة حبيب القلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فاعمر حياتك بالخيرات واكفل يتيماً يدعو لك في الخفيات، فكلها دنانير معدودة تثقل بها موازين الحسنات.. واجمع أهلك وأصحابك وأحبابك على خير يشفع لك عند رب البريات.. واحذر من التسويف في كفالة الأيتام ومواطن الخيرات.
وما أروعها من لحظات صادقات ستصفق لك فيها نفسك كثيراً عندما يقع بصرك على صورة من تكفله ومن سيرافقك في مسيرة حياتك.. وستتلذذ نفسك بتلك الكلمات الجميلة التي ستصلك ولو بعد حين يكتبها اليتيم بيده يشكرك فيها على كرم نفسك وجميل عطائك وإحسانك.. إنها الحياة القصيرة التي تنقضي فيها أعمارنا بسرعة البرق الخاطف ونحن بحاجة ماسة فيها بأن نملأها بجلائل الأعمال وصادق الأفعال.. فطوبى لك إن أكرمك المولى بكفالة يتيم.. يذكرك.. يدعو لك.. يشكرك.. يشفع لك.. وبسببه ستكون صاحباً لحبيب القلوب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. جعلنا الله وإياكم منهم.