من روائع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «لقد مر بي أكثر العمر، ورأيت الحياة، ونلت لذاتها، وجرعت آلامها، لم تبقَ متعة إلا استمتعت بها، فلا اللذائذ دامت ولا الآلام، ولا الشهرة أفادت ولا الجاه..». وقال: «ولم يبقَ لي من دنياي (الآن) إلا مطلب واحد: يقظة قلب أدرك بها حقائق الوجود وغاية الحياة، وأستعد بها لما بعد الموت، وهيهات يقظة القلب في هذا العالم المادي».
في عالم مادي سريع الخطوات، تكثر فيه الملهيات، وتشتد فيه الكربات، وتنتشر فيه المغريات، وتسعى النفوس للملذات، فيصبح المرء عاجزاً عن إدراك حياته قبل الممات.. يا ترى أين نحن من يقظة القلوب وروعة بيانها ومحاسنها في ميدان الطاعات؟؟ أين نحن من حياة القلوب التي يعيشها من حباه الله نعمة السكينة والتعلق برب البريات؟ فكم نحن بحاجة ماسة لكي نزيل الران عن قلوبنا، ونصحح مسارنا قبل فوات الأوان.. إنها يقظة قلب تعطينا أحلى اللحظات مع رب السموات في خشوع وطمأنينة رمضان.. يقظة نزلزل فيها أرواحنا لكي تعشق الذكر والتسبيح والتهليل والدعاء والسجود الطويل للخالق العظيم.. إنها يقظة قلب تنبهنا عن مواطن الزلل، وتعصمنا من الفتن، وتحطم كل قيود الخمول والكسل.. إنها يقظة تحببنا إلى مواطن الخيرات، وتبعدنا خطوات وخطوات عن مواطن الزلات، فتجعل الخير يسري في عروقنا، وحب الله العظيم يتغلغل في أفئدتنا.. إنها يقظة تنسينا هموم العيش وكدر الحياة، وتنقلنا إلى مراتب الأنس بالله والشوق للقياه ولما أعده في الجنات.. إنها يقظة تقربنا إلى هدآت الأسحار، نتذوق فيها لذة الإيمان العامرة التي نشتاق إليها لتكون ركيزة من ركائز القرب من الله.
ليحذر المرء من داء الغفلة فإنه يعلق المرء بدنيا فانية ويبعده عن جنة خالدة، غفلة تجعل القلب في سرحان دائم، فإن صلى لا يعقل كيف صلى، وإن صام فهو لا يحدق في معانيه ما يجعل صيامه تزكية لنفسه ومرضاة لربه.. وإن مضى إلى مدرسته أو جامعته أو عمله فهو لا يحرص على تجديد نيته وتحويل دراسته وعمله إلى ميدان للأجر حتى يحول كل حركاته وسكناته طاعة لربه، ذاكراً له، مستغفراً ومسبحاً.
لنتدارك أعمارنا في كل خير يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى فإن كل خطوة نخطوها في عالم سريع الخطوات تقربنا إلى «ساعة الرحيل» التي يجدر أن نستعد لها جيداً بقلب متعظ يقظ يعي عوالم الخير ويشحذ الهمم لجنة عالية قطوفها دانية.