قال الله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمهم أجر الذي أنفقته على أهلك» رواه مسلم.
ومن أقوال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه «هكذا علمتني الحياة»: «السعادة الزوجية لا تتم إلا بأن تفهم زوجتك، وتفهمك زوجتك، وتتحملها وتتحملك، فإن لم تفهمك فافهمها، وإن لم تتحملك فتحملها»، الزواج والإنجاب ضريبة الحياة، دفعها آباؤنا قبلنا، وندفعها نحن بعدهم، ويدفعها أبناؤنا بعدنا، تلك هي سنة الله وإرادته».
تحدق على شاطئ الحياة تحديقاً جميلاً بتلك المعاني الجميلة التي بنتها أحلامك السادرة في السعادة والجمال، تلك الأحلام المطلة على بحور العشق والهيام.. ذلك العشق الأبدي لكيان أسري كنت ومازلت تحلم بأريحية العيش في كيانه، وسكون نفسي يحقق لك متعة العيش وسعادة النفس.. عينك عندما تنظر إلى أفق السعادة البعيد، تتفنن في وصف الطبيعة الغناء في عيون العاشقين.. تتفنن في صياغة حياة حب وسعادة ووئام.. تكابد الليالي.. وتصبر على ضير الحياة، وتعب الأيام.. وتتحمل الآلام من أجل أن تكون أسرة سعيدة هانئة تعشق الخير، وتصبر على الملمات، وتصنع أبطالاً لمستقبل الأمجاد.. فهم مرآة الحياة ومصنع العطاء.
لقد حان الوقت بأن يتأمل كل متأمل في أحوال «البيوت» بعين ثاقبة تبصر الواقع المعاش، وتبتعد عن أدبيات «العشق» وترف «مضامين الحب الخاوية» والتي لا تتحمل مسؤولية العيش، ولا تراعي منطق الحياة، فهي بعيدة كل البعد عن محاسن الحياة الزوجية، تعاملها وكأنها «ألعوبة ضاحكة» يلعب بها الطفل تارة.. ويتركها تارة.. ويرميها حيثما شاء.. بل ويتخلى عنها بأتفه الأسباب، بلا مراعاة لضمير النفس، وبلا معالجة حكيمة متعقلة لمشكلات الأيام التي لا تخلو منها البيوت، والتي تعالج في لحظات استقرار ومودة وتفهم.. وإن طالت الفترة فستظل تسبح في بحر التعقل والحكمة، والذي لا يجيد البعض السباحة فيه، بل ويتعجل بأن يكون سباحاً ماهراً، في حين أنه لم يتعلم بعد أبجديات السباحة، ولم يقنع نفسه بأنه يهوى «السباحة بعد» حتى يستطيع أن يتعلمها بقناعة.
جميل جداً أن تسارع بعض الأسر إلى تزويج أبنائها «حفظاً وصوناً لهم» من مغريات الحياة متى ما سنحت الفرصة، على أساس من القناعة التامة «بالزواج المبكر».. ولكنهم لم يعوا أبداً مغزى حديث النبي صلى الله عليه وسلم «من استطاع منكم الباءة»، فهو مقيد بالمقدرة على الزواج، وليس بمجرد التفكير العابث بالزواج، أو عبث شهوة بحب عابر ومؤقت!! ومما يحز في النفس كثرة ما نسمعه من سرعة انفصال الأزواج واحتكامهم للطلاق لأتفه الأسباب.. والأكثر إيلاماً عندما يتم الانفصال بعد قدوم فلذات الأكباد الذين يكابدون الحياة بعد ذلك بحبلين منفصلين!!
إننا اليوم نطلق دعوات متعلقة، ونفكر بصوت مرتفع، وننادي بأهمية إنشاء صندوق للزواج في مملكة البحرين يعنى بالأسرة بالمقام الأول، ويكون من أهم أهدافه تأهيل الشباب والشابات للانخراط في «بيت الزوجية» حتى قبل أن يفكروا بالزواج.. تأهيلاً شاملاً لكل مناحي الحياة الزوجية، يشتمل على دورات متخصصة وورش عمل مستفيضة.. ويمنح كل مشارك شهادة تؤهله للزواج.. كما يمنح هذا الصندوق مساعدة زواج لكل من يتم عقد القران، بشرط أن يكون قد انخرط في هذه الدورة مسبقاً، أو ينخرط بها بعد عقد القران مباشرة.. على أن يستمر هذا الصندوق في تقديم إرشاداته لكل أسرة مسجلة لديه بكافة الوسائل، لضمان النجاح الأمثل للأسرة بشعار «مودة ورحمة» أو شعار «أسرتي سعيدة».
إن المتأمل لواقع الحال ليدرك ومنذ الوهلة الأولى بأن هناك مشكلة كبيرة جداً في التعاطي مع موضوع «الشراكة الزوجية» والتي غالباً ما تفهمها مؤسسات المجتمع على أنها «زواج جماعي» ينتهي بتسليم الزوج «مساعدة» تعينه على تأسيس الأسرة.. وإن كانت هناك بوادر طيبة من بعض الجمعيات في تنظيم بعض الدورات للمقبلين على الزواج كاشتراط مهم قبل الحصول على مساعدة الزواج، إلا أن الأمر بحاجة لشمولية أكبر في تأسيس مشروع يعنى بالاهتمام «بالوئام الزوجي».
كم نحن في مسيس الحاجة لنزرع ورود السعادة في واحات البيوت.. ونوعي الأبناء.. حتى يكونوا في المستقبل شراكة زوجية ناجحة بعيدة عن العجلة.. ومن ثم الندامة والخسران.. حفظ الله أسرنا من كل شر وسوء.