رسالة إلى أبنائي الأحباب.. إلى من رسمت معهم أجمل لوحات الحب والسعادة والوئام.. إليكم أكتب كلمات تنبع من منابع الضمير وسوانح الحياة.
في أول يوم من طلائع مستقبلكم الباهر تزلزلت نفسي بمشاعر حبكم، ونقشت على لوحة الفصل أجمل صور المحبة، فلم أمل إطلاقاً من ابتسامة أتبادلها معكم، ولم أتضجر يوماً بواحة التعليم الوارفة التي أعطتني الكثير وأعطيتها كل ذرات همتي وعطائي.
شحذت عزيمتي من أجل أن أصنع جيلاً راقياً بأفعاله وأقواله، لأنني كنت أؤمن بالتربية قبل التعليم، فلا يجدي نفعاً أن نبني التعليم من دون أن نربي جيلاً يفيد وطنه ويساهم في عجلة تقدمه وازدهاره.. لذا لم أنصهر أبداً في تلك المعلقات الرتيبة التي لا تحقق متعة لأبنائي.. بل انتقلت سريعاً معهم إلى «لعبة الأخلاق» كما أسميتها، أسبغ فيها ثوب السعادة والسرور في كل لحظة من لحظات «الموقف التعليمي».. بدءاً من تحية الإسلام وانتهاءً بالحرص على المسحة الحانية وسلام المغادرة إلى المنزل..
كنت على ثقة بأن «السلوك» إنما يبنى في بيئة مدرسية ناضجة، بمدرس يؤمن بالتغيير وبآفاق الجمال وسعة الحياة.. بالفعل كنا نمرح «كأسرة واحدة» ونمضي في لحظات خاطفة إلى فناء المدرسة نعزف ألحان المرح بألعاب الطفولة الرائعة.. حينها تزول الرواسب، ومن السهولة بمكان أن تفطم معهم كل سلوك سيء أو عادة مذمومة..
لقد أحببتكم كأبنائي وكنت ألمح صورة أبنائي في المستقبل وأتساءل: كيف أستطيع أن أجعلهم ملوكاً في أخلاقهم واحترامهم للآخرين، وكيف أحفزهم على التميز وبلوغ القمم، وإشعال شعل الخير والعطاء في الوطن.. وكيف أجعلهم يحذرون من تلك السموم القاتلة التي تبثها ثعابين الحياة بين الفينة والأخرى؟ أحببتكم لأني كنت على يقين باحتضان ذلك اليوم الجميل الذي أراكم فيه فرسان للخير، تنشرون المحبة وصنائع المعروف في كل حدب وصوب..
وما أشبه الليلة بالبارحة.. وما أسرع وتيرة الزمان.. اليوم فقط أيقنت أن كل وخزة ألم، وكل قطرة حب، وكل آلام التعب والسهر لم تذهب هباءً منثورًا.. بل أراها قد أثمرت بثمرات سريعة الظهور، وأضحت «جوهرة رائعة» في لمعانها.. فكل خير تصنعه تلقاه بأجمل الأثر.. فما أروع أن أحتضنك يا بني وأنت تلبس «ثوب زفافك»، وما أحلاك يا عزيزي عندما تسارع لاحتضاني بابتسامتك الحلوة كلما لمحت ظلي في دوحة الحياة..
كن على ثقة يا بني بأن كل ما تعلمته وعشناه معاً.. ستظل ظلاله الوارفة تظلك في «مسير حياتك» بفضل الله ورعايته..