يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في رائعة من روائعه: «إن النفس -يا أخي- كالنهر الجاري، لا تثبت قطرة منه في مكانها، ولا تبقى لحظة على حالها، تذهب وتجيء غيرها، تدفعها التي هي وراءها، وتدفع هي التي أمامها، في كل لحظة يموت واحد ويولد واحد، وأنت الكل، أنت الذي مات وأنت الذي ولد، فابتغ لنفسك الكمال أبداً، واصعد بها إلى الأعالي، واستولدها دائماً مولوداً أصلح وأحسن، ولا تقل لشيء «لا أستطيعه» فإنك لاتزال كالغصن الطري، لأن النفس لا تيبس أبداً، ولا تجمد على حال».
نفسك أولاً ثم الآخرين.. هكذا يجب أن تعرف نفسك وتعرف مكنوناتها وقيمها الحياتية، وإقبالها على الطاعة والعبادة، وتفهمها لظروف الحياة، وتعلقها بعوالم العيش التي تتبدل في كل حين.. تأمل في نفسك التي لا تبقى على حال كما أسماها الشيخ الطنطاوي رحمه الله «كالنهر الجاري» لا تثبت قطرة منه في مكانها، نفس تبتغي في بعض الأحيان «الراحة» و»روتين الحياة القاتل»، فهي أسيرة العنفوان اليومي الذي يجلب الضير والكدر!! وإن غصت في أعماقها وجدتها «خاوية» لا تنظر للحياة نظرة التفاؤل والأمل والإيجابية، ولا يهمها إن تحقق أي نجاحات باهرة في ميدان حياتها.. نفس لا هم لها أن تترك أثرها البائن في حياة البشر، بل تمضي تسكب الشؤم والكدر في نفوس كل من تقابله.
يقول مانديلا: إن المناضل الذي يعمل في الخفاء، لا يعرف إلا النوم الخفيف. هكذا يجب أن تناضل بنفسك، وتهتم بالارتقاء بها على عتبات النجاح والهمة والعطاء.. تفتر تارة وتزخر بالعطاء تارة أخرى، تفشل هنا، وتنجح نجاحات باهرة هناك.. تستطيع أن تقدم الكثير في «دنيا فانية» من أجل «جنة خالدة»، وتقوى بأن تكون شعلة من النشاط، مصدرها الغراس الإيماني في نفسك، والإلهام النفسي الذي جعلك تولد من جديد في كل لحظة من حياتك.. نعم استفق قبل فوات الأوان ولا تجعل نفسك مجرد هامش حياتي غطه غبار النسيان، واقبل التحدي فإنه طريق النجاح..
اصنع المستحيل من أجل تلد الهمة في نفسك مرات ومرات، وتصعد للمعالي وللقمم ولا تقبل إطلاقاً بأن تبقى على السفح تتجرع الحسرات.. اصنع المجد في حياتك بهمتك وعطائك قبل أن ترحل.. وارفع نفسك لمصاف الكبار.. وتذكر كما قال أحدهم: «هذا المجد الأعرج الذي يأتي متأخراً بعد رحيلي، لا أريده».