يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «يغدو الناس كأنهم إخوة في أسرة واحدة، أو رفاق في مدرسة داخلية، يفطرون جميعاً في لحظة واحدة، ويمسكون جميعاً في لحظة واحدة، فتراهم المساء مسرعين إلى بيوتهم، أو قائمين على مشارف دورهم، أو على أبواب منازلهم، ينظرون في ساعاتهم ويتطلعون إلى المآذن بعيونهم، وإلى المدفع بآذانهم، فإذا سمعوا ضربة المدفع، أو أبصروا ضوء المنارة، أو رن في أسماعهم صوت المؤذن، عمت الفرحة الكبار والصغار، فانطلقت وجوه الكبار، وصاح الصغار بنغمة موزونة (أذن، أذن) وطاروا إلى دورهم كعصافير الروض، يرضى كل بما قسم له، ويحمد الله عليه، وقد راضهم الجوع على أن يتقبلوا كل طعام، فكل طعام هو في أذواقهم تلك الساعة أطيب طعام..».
هي الفرحة التي نحصدها في شهر الخيرات، فرحة نقضيها معاً داخل أسرتنا الواحدة، ليست أسرتنا الحقيقية، بقدر ما هي أسرة «الوطن» الذي نفخر أن نعيش تحت ظلاله ونتنسم عبيره الزاكي.. فما أحلاك يا وطن الحب وعصافير الإيمان والخير تطير في سمائك في شهر المودة والرحمة والخير.. هي فرحة يفرحها الصغير قبل الكبير عندما يبتسم بقدوم شهر الخير، فيغدو إلى ساحات الوطن ليعبر عن مشاعر وده وحبه لرمضان، ولوطنه الذي طالما عشق أرضه، ويحمل معه أروع الذكريات العطرة في تلك الفرجان التي يتناغم فيها مع رفاقه بمرح الطفولة من خلال الألعاب الرمضانية الشعبية التي افتقدنا طلتها بعد تفرق الفرجان واختلاف الأحوال!!
إن «الفرح» من أروع القيم الحياتية التي يحملها رمضان وينثر ورودها على الجميع، ننظر من خلاله بمرآة مكبرة لأفق السعادة الجميل.. فرحة نتنعم بها بين أهلينا وأحبابنا ومحبينا في كل مساحات الوطن، فأرواحنا تشتد حاجة إليها في زمان مخيف بأحداثه وأهواله.. هي فرحة تغمر نفوسنا عندما نرى رمضان بمنظور آخر يخرج عن إطار «الجوع والعطش» أو مجرد الصيام وأداء الصلاة، بل يمتد ليشمل كل جمال الكون، وكل معاني الخير في رمضان.. فإن جلس يذكر الله فهو في فرح.. وإن رفع يديه ليناجي ربه في جوف الليل الأخير فهو في فرح.. وإن عانق رفاق دربه بعد انقطاع طويل في ميدان رمضان فهو في فرح.. وإن اجتمع شمله مع أسرته وعائلته الكبيرة فهو في فرح.. وإن تأمل في سماء رحبة صافية في ليلة رمضانية رائعة.. فهو في فرح..
افرح في رمضان واعشق خيراته..