ما أشبه الليلة بالبارحة، فسرعان ما انقضت أيامك يا شهر الخيرات، وسرعان ما انقضت أعمارنا في شهر نتشوق للقياه كل عام.. رمضان كأننا بالأمس نستقبلك فرحاً بأيامك ولياليك الجميلة.. أما اليوم فنحن نستعد لاستقبال العشر الأواخر من أيامك.. تلك العشر التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم.. فكان عليه الصلاة والسلام يجد ويجتهد فيها أكثر من بقية الأيام، فكان يعتكف ويتحرى فيها ليلة القدر. فقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر». فكان عليه الصلاة والسلام يشمر في العبادات والطاعات والقربات أكثر من بقية الأيام، ويقيم الليل بالصلاة وقراءة القرآن.. فهي من أعظم الأيام وأجملها وأحلاها وأفضلها قربة للملك الديان، ففيها ليلة خير من ألف شهر من حرم أجرها فقد حرم.. إنها ليلة القدر التي تتنزل فيها الملائكة وتقدر فيها الأرزاق.. ليلة تتنقل في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، وقال بعض العلماء بأنها تتنقل في الليالي الوتر.. وقد تم إخفاء هذه الليلة حتى لا يركز المسلم في طاعته وعبادته في ليلة دون سواها.. وحتى يقيم كل الليالي ويتقرب إلى المولى تعالى وينعزل عن كل الدنيا، ويقضي هذه الليالي في التبتل والتضرع والدعاء والذكر وقراءة القرآن.. ويكثر من السجود والقرب من الحبيب.. فيناجيه ويلح في الدعاء ويكثر من ذكر حاجته.. فهي فرصة من أعظم الفرص بأن يعتكف المرء في بيت الله، ويترك كل ملذات الدنيا حتى يدرك ليلة من أعظم الليالي.. فتقضى له الحاجات وترفع له الدرجات ويبارك له في الأرزاق ويكتب له الخير والصلاح في دنيا البشر.
لا تفوتكم هذه الفرصة أبداً، فمن قصر فيما مضى من رمضان، فليبادر باستغلال اللحظات الثمينة في العشر المباركات الأخيرة.. فرصة قد لا تتكرر في عمرك مرة أخرى.. فالمستقبل إنما تخطه لآخرة خير وأبقى.. لجنة تشمر عن سواعدك لتتلذذ بنعيمها المقيم.. إنها من الأيام الرائعة التي تناجي المولى الكريم بأن يسبغ عليك نعمه في الدنيا، ويرزقك لذة النظر إليه في الجنة الغالية.. ويخفف عليك من الحساب عند الوقوف بين يديه بلا ترجمان..
تفرغوا للعبادة والطاعة خلال ما تبقى من رمضان واقتنصوا الفرص.. فلعلكم لا تدركون أيامه القادمة.. اللهم بلغنا ما تبقى من رمضان في الخيرات.. وبلغنا قيام ليلة القدر واجعلها خيراً لنا من ألف شهر، واجعلنا ممن يقومها إيماناً واحتساباً فتغفر لهم كل الذنوب.