قال الله تعالى: «ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون». وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى والناس نيام» رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم». رواه البخاري ومسلم.
في عالم متسارع تملؤه المتغيرات والأحداث «المجنونة» أضحى المرء منا يحذر أشد الحذر من كل كلمة تصل إلى مسامعه، ومن كل كلمة يتلفظ بها، ومن كل سطور يكتبها، ومن كل عبارات تتداول فيما حوله.. بات المرء ينظر بمرآة مكبرة لكل حرف هو مسؤول عنه، سواء صدر منه أو وصل إليه بطريقة ما، ذلك لأننا لم نعد مجرد آلة تدار من قبل الآخرين، بل كيان له ثقله يستغرق في التأمل بلغة صامتة لكل الكلمات التي سنسأل عنها عند الملك الديان.. فهل نعي جميعاً هذه المسؤولية التي نضع كفنا على موضع قلبنا خوفاً كلما تفوهنا بكلمات لا نلقي لها بالاً؟
يقول أحدهم: «للكلمة وزن، وصوت، ومظهر، ولا يسع المرء أن يكتب عبارة يحلو للآخرين الاطلاع عليها أو سماعها إلا بمراعاته هذه التعابير». وقيل أيضاً: «اجعل الأفضلية للكلمات الأصغر، فلا تستفسر عن رأي، ولكن اطلبه، ولا تنتفع بما يمكن أن تستخدمه». ومما قيل أيضاً: «إن الكلمة المختارة بعناية تضفي على رسالتك القوة التي تجذب، وتفتن، وتقنع الآخرين، تستطيع أن تستخدم كلمات تؤتي أفضل الثمار المرجوة من ورائها». وقيل: «إن كلماتنا عنوان لما نكنه من حب واحترام للآخرين».
يجدر بصاحب الكلمة الطيبة أن يستثمرها أروع استثمار في تواصله وتعامله مع الآخرين.
فهي أروع استثمار لكسب القلوب وتعميق أواصر المحبة والتراحم والتآلف.
وهي أجمل أداة للإصلاح والتوجيه والإرشاد والتأثير.
وهي حروف متناغمة تسر السامعين، وتفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر.
وهي سوانح رائعة تجمل أعمال البشر بخيري الدنيا والآخرة.
وهي صورة نابضة بالجمال تطبع أجمل الأثر في نفوس من يتذوق ألوانها السابحة في الخير، ومن يترنم بألحانها الجميلة التي تزيل غبار الآفات والشرور.
وهي كلمة حب تطبعها في كل قلب، وترسمها على كل جدار، وتكتبها في سجلك، تبقى خالدة لك في مسير الأجيال القادمة.
وهي عبارات ود تنشرح معها الصدور، فإن قلت «جزاك الله خيراً» فقد أبلغت في الثناء على صاحبك ودعوت له بدعوة خير.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» رواه البخاري ومسلم.
لعل الصمت أحياناً رسالة بالغة الأثر ترسل ذبذباتها للآخرين بدون أن تهمس ولو بحرف واحد قد يحسب في سجلك، ويؤثر على سيرتك ومتانة علاقاتك مع الآخرين، إن الصمت «قوة وعزة» لصاحبه وليس ورقة انسحاب وهزيمة وضعف!! بإمكانك أن تدخل في حرب طويلة الأمد تجادل فيها وتردد كلمات وكلمات غاضبة، تراجعها فيما بعد فتجدها خرجت «بلا قصد» ولعلها أحرجت وأزعجت من حاورته!! ولكنك في الوقت ذاته تجد في «الصمت» الوسيلة الأنجع في علاج بعض المشكلات، وفي التعامل مع مختلف القضايا واختلاف الآراء، أو في الرد على بعض الخصوم ومن يكيل لك الكيل بمكيالين!!
ورد أن رجلاً شتم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟ قال: «إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان». ثم قال: «يا أبا بكر، ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره» أخرجه أحمد.
وفي نهاية المطاف فإن «كلماتك» عنوان بارز لشخصيتك.. فاختر العنوان الأروع لمسيرك في الحياة.. بكلماتك وحروفها المتناغمة المؤثرة.. واصمت في أحيان أخرى.. حتى تؤثر وتربي من تتعامل معه.. إن عاملك على غير هدى.