في أحيان كثيرة يحتار الإنسان من أين يبدأ، وماهي الكلمات التي يجب أن يختارها حتى يعبر عن ذلك الحب العميق لسيد البشرية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختارنا لنكون من ذرية خير أمة أخرجت للناس، فهي مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقنا جميعاً بأن نعبر عن هذا الحب الذي يأتي بعد الله سبحانه وتعالى، فليست مجرد كلمات تعبر، أو مشاعر نحس بها، أو دفقات قلب تعشق سيرة خير البرية صلى الله عليه وسلم، بل إنه واقع ملموس يجب أن نتحرك به على أرض الواقع، نتلمس من خلاله صفات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله في كل حركاتنا وسكناتنا حتى نكون من أحبابه وإخوانه وممن يكرمون يوم القيامة بشفاعته، ويأنسون بصحبته، ويتلذذون بشربة هنيئة مريئة.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين» رواه البخاري. وفي الصحيح أيضاً أن عمر رضي اللّه عنه قال: يا رسول اللّه، واللّه لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال صلى اللّه عليه وسلم: «لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال: يا رسول اللّه واللّه لأنت أحب إليَّ من كل شيء حتى من نفسي، فقال صلى اللّه عليه وسلم: «الآن يا عمر». إنه الإيمان العالي، والحب العميق الذي بلغه عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن باع نفسه لله تعالى ليكون في مرتبة المحبين الأوائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكون هذه المحبة هي الأثر الفعلي في شخصيته وشخصيات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عاشوا يقتفون أثره عليه الصلاة والسلام، ويتابعون أقواله وأفعاله حتى تلتصق شخصيتهم بشخصيته عليه الصلاة والسلام، ثم تراهم في ديمومة من الاقتداء بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ينعمون بصحبته يوم القيامة.
ومن أهم بواعث حب النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكون حب النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً على حبنا لأنفسنا كما في الحديث الشريف:»لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين». إضافة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الخلق إلى الله تعالى وأعظم الناس، ومن شدة حبه لأمته فقد أعطاه الله تعالى دعوة يشفع من خلالها لأمته يوم القيامة، فهل يا ترى بعد ذلك كله لا تكون هذه البواعث هي المحرك الأساس في حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يدافع عنا وقد اشتاق لنا في حياته كما كان يحدث الصحابة رضوان الله تعالى عليهم!
إنه الميدان الشعوري الذي يجب أن نؤصل من خلاله حبنا العميق لحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بأداء حقوق الخلافة في الأرض على الوجه الأكمل طاعة لله تعالى، فنحن خلفاء الله في الأرض نبلغ رسالة الخير للناس أجمعين، متأسين في ذلك بدعوة سيد البشرية عليه الصلاة والسلام الذي صبر وصابر من أجل إيصال رسالة الإسلام إلى كل مكان، وتمكين الخير في أرض الله تعالى.
إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مجرد كلمات تسطر، أو عبارات تدرس، بل هو منهج حياة يجب أن ندرسه للأجيال المتعاقبة، وهو قرآن يمشي على الأرض، وإسلام أصيل يسير قطاره بثبات في أنحاء المعمورة، وهو نور ساطع في الأفق الرحب، وهو شمس ساطعة تنير قلوب الحيارى، وشمعة متقدة تنير الحياة بجمال خلاق.
إنه حب نبيل نحقق من خلاله رسالتنا السامية ورؤيتنا العالمية بأن نكون أصحاب رسالة ومبدأ وثوابت لا تتزعزع، نصنع بها أجيالاً متميزة في شخصياتها، وقريبة من خالقها سبحانه وتعالى.
أما في الغد المنشود، فنحن في شوق لك يا حبيب القلب، وكأننا نراك هناك على الحوض تسقينا من الكوثر والتسنيم، وتشفع لنا عند رب العالمين، فتنادي يا رب أمتي أمتي، نشتاق للقياك في الفردوس الأعلى، وننهل من معين الخير الذي ما زلنا ننهله دون أن نراك، اشتقنا لك يا رسول الله، وسنظل في حب دائم لك بعملنا الصالح فهو مقربة إلى ربنا، ودربنا لجنة الله الغالية.
اللهم جازه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، وارزقنا شفاعته يوم القيامة، وأوردنا حوضه، وأسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.