يقول الشيخ عائض القرني حفظه الله في كلام جميل عن الطبائع البشرية: «أهل الجبال، أهل صفاء وجمال، وأهل عاطفة واستعجال، وأهل الصحراء، أهل مكر ودهاء، وصبر وجفاء، وكلما قرب الإنسان من خط الاستواء، كثرت حدته والبغضاء، ومن يسكن القطب البارد، فإنه ثقيل جامد، ومن يعش في أرض خضراء، تجد له رقة ورواء، ولطفاً ووفاء، ومن كانت داره في أرض مقفرة، رأيت منه طبائع منكرة، من الغلظة والشدة، والضيق والحدة».
فرفقاً بنا يا قوم، رفقاً بقلب محب للخير معطاء في دنيا البشر، رفقاً بنفس تشتهي الخير وتتنفسه في غدوها ورواحها، رفقاً بأحاسيس تتغنى بأناشيد الحب والهيام لخير تصنعه في واحات النفوس، رفقاً بخطوات ثابتة تغدو نحو غد جميل يكتب نجاحاته كل البشر، رفقاً بنفس تكتب طباعها على صخرة الحياة، وتنحت كلماتها المؤثرة فوق صخور لا تؤثر بها تصاريف الدهر.. إنها النفس الجميلة البسيطة التي تقطف زهورها من غصون الحب، وتلتفت كل مرة إلى غصن جميل يرسم لوحة الخير الأبدي، ونفس جبلت على حب الخير، وحب طبائعه والسمت الحسن..
أجمل ما يكون في حياتك أن تعيش مستبشراً بحياة «فجرية» تتنسم فيها نسمات العطاء، واستبشار بميلاد يوم جديد من حياتك، تتطبع فيه بطبائع الخير، وتأنف من الرجوع في مستنقعات الطبائع المشينة التي قد توقعك في مزالق خطيرة وتبعدك عن قلوب الآخرين ومحبتهم. والأجمل من ذلك أن تسير مسترشداً بسيرة خير البشرية صلى الله عليه وسلم الذي كان قمة في الأخلاق والطبائع المحمودة التي جعلته من أروع القادة وأجمل النفوس وأرقها وأفضلها تعاملاً مع الآخرين. فلقد ضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حياة مليئة بجياد المعاني وجمال الأخلاق، فقد خاطبه المولى عز وجل في محكم التنزيل: «وإنك لعلى خلق عظيم». وفي الصحيحين عن هشام بن حكيم أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: «كان خلقه القرآن». فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئاً. وقال صلى الله عليه وسلم:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وقالت عائشة رضي الله عنها: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، ولا صخاباً في الأسواق -لم يكن يرفع صوته في مجامع الناس- ولا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح».
إنها الأخلاق الرفيعة الرائعة التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم مع صنوف الناس، فتعامل مع كل صنف بما يناسبه من قول أو فعل حتى تكون الثمار يانعة في نهاية المطاف.. فهل يا ترى باستطاعتنا أن نتعايش مع نفوس جافة الطباع متقلبة في «مزاجها الحياتي» منفرة، وتحسب لها ألف حساب عند التعامل معها!! هل باستطاعتك أن تعيش وسط أناس اختفت من حياتهم معالم الوفاء، وانمحت من وجوههم صفاء الابتسامة، ولبسوا معها لباس الكبرياء والتعالي على الآخرين؟؟ هل باستطاعتك أن تكون ضيفاً كريماً على نفوس اعتادت على الشح والبخل، فلا تتكرم أن تكون ضيفاً عليها ولو للحظات من الوقت!! وهل باستطاعتك أن تعاشر أصحاب النفوس المتصفة بالغلظة والشدة والعجب بالنفس الذي لا يجعلها تعترف بالخطأ أو أنها ترى في نفسها الصواب وفي غيرها الخطأ والانحراف!! وهل باستطاعتك أن تحتضن كل حبيب أحببته بأحضانك الدافئة كلما غاب عن أنظارك في الوقت الذي طعنك في خاصرتك بلا استحياء، وداس على قيم الاحترام والمحبة بلا رحمة أو تذكر لعطاء الخير!! وهل.. وهل..؟
كلما التفت يمنة ويسرة فإنك ستدرك -بلا شك- أنك تعيش في زمان يختلف كلياً عن زمان «لول» إن جاز التعبير، أو زمان الطيبة والطبائع الجميلة الرائعة التي عاشها من قبلنا الآباء والأجداد.. فهل يا ترى كانت حياتهم غير حياتنا؟؟ أم أن المدنية والتكنولوجيا ووسائل التواصل أضحت سبباً مهماً في تغيير الطبائع والأمزجة واختلافها من جيل لآخر؟؟
لقد أيقنت في كل وقفة أقفها من جديد في كل مساحة من مساحات الحياة أن أجمل صورة يمكنك أن ترسمها في كل مكان وفي مخيلة كل من يعرفك أو قد يتعامل معك ولو لمرة واحدة هي صورة «الطبائع الجذابة» التي تجعلك قمة من قمم الخير في كل مكان.. فتظل بصماتك الجميلة بائنة جيلاً بد جيل.. تذكر فيها بابتسامة وقلب صاف ونفس خيرة وأحاسيس جياشة وتعامل راق، وحب الخير للآخرين، وحلم وصبر ورفق وأناة، وسلام دافىء حنون، وسعة في الأفق، وجود وكرم.. فأنت بذلك زهرة جذابة تتهافت عليها الفراشات تملك قلوب غيرك.. ودمت بود وحب يا «فارس الخير الحنون».