قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وذكر منهم: وشاب نشأ في طاعة الله» رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: «يعجب ربك من الشباب ليست له صبوة» رواه أحمد ـ الصبوة: هي الهوى والميل ـ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان شباب من الأنصار سبعين رجلاً يقال لهم القراء يكونون في المسجد، فإذا أمسوا انتحوا ناحية من المدينة فيتدارسون ويصلون يحسبهم أهلوهم في المسجد، ويحسبهم أهل المسجد في أهليهم، حتى إذا كان في وجه الصبح استعذبوا من الماء، واحتطبوا من الحطب، فجاؤوا به فأسندوه إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد. ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في سياق الموت فقال له: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه ما يرجوه وأمنه مما يخافه» رواه ابن ماجة. وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شبيبة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتقنا أهلنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه. فقال صلى الله عليه وسلم: «ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وذكر أشياء، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم» رواه البخاري.
أسميتهم «فرسان الميادين» فهم في مرحلة جميلة يشتد فيها العطاء يجوب الطرقات لينثر ورود الأمل في كل حدب وصوب.. مرحلة «خيال المشاعر» الذي يسبغ على النفوس ثوب السعادة.. مرحلة تضيء دروبها كالمصابيح بمشاهدات رائعة لحياة أكثر حيوية تداعب جمال السماء بنجومها وبدرها المطل على إشراقات الأمل.. مرحلة لا تلتفت لأذيال اليأس، ولا تفسح المجال للعيش مع الأرواح الجامدة التي لا تبالي بقيم الحياة.. فيا ترى هل باستطاعتنا أن نبصر تلك الإلهامات الشبابية الجميلة التي تتنوع فتراتها في حياة الإنسان باختلاف مراحل العمر؟ هل باستطاعة «حكمة الكبار ونضجهم» أن تكون العين الساهرة الرقيبة للانطلاقات الشبابية التي تحتاج إلى المزيد من النمو والبناء حتى تأخذ دورها الحقيقي في الحياة؟ كلها أسئلة ذات معنى ومغزى لو استطعنا أن ننظر إليها بنظرات العقول لا العواطف، لبتنا نعيش في مجتمع مفعم بالنشاط والتغيير الناجح، بشباب تتولد طاقته لحظة تلو أخرى لا تقف عند حد.. فهو يشعل الدروب دوماً بعطاء لا ينضب، ونشاط لا يتوقف، وحب للخير في خلايا الحياة النابضة.
نعم هم كذلك «فرسان الميادين» لأنهم فهموا معنى الخلافة في الأرض، فلم يكتفوا بسفح الجبل، بل إن أبصارهم لترنوا في كل حين إلى القمم والهمم العالية.. هم فرسان في كل ميدان تطأ فيه أقدامهم، فتجدهم في كل موضع تحتاجهم فيه.. ففكرتهم عالمية.. ينشدون العطاء في كل مساحات الحياة، حتى تختلط أنفاسهم مع كل نسائم الخبرات أينما وجدت.. فرسان يعانقون سحب خبرات الكبار الذين يكملون عقد النجاح في المجتمعات التي لا تسير بجانب دون الآخر.. فرسان يقودون حراك المجتمعات الإيجابي نحو الخير، ويقودون «معالم الخير» لينعموا بقيادة ربانية تعينهم على عوالم العيش.. فهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو شاب في ريعان شبابه، يكلفه النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة جيش فيه كبار الصحابة وعلى رأسهم أبوبكر وعمر.. لإيمانه عليه الصلاة والسلام بدور الشباب في صنع النجاح وإحداث التغيير المنشود.
عندما فكرت في الكتابة عن هذا الموضوع، فتشت جاهداً عن معان جديدة لا بد من طرحها.. ولكني أيقنت مع كل حرف كتبته.. بأن «الفرسان الشبابية» يعيشون في داخل ذواتنا فهم في تجديد مستمر، ويقودون مناشط الخير في كل فترة من حياة الإنسان، ولعلهم يختلفون من زمان لآخر، وفقاً لمتغيرات العيش وتغير نمط الحياة ودخول «التكنولوجيا» بمحاسنها ومساوئها إلى كل مساحات حياتنا.. إنهم مراحل متجددة في المسير بشرط أن يدركوا جيداً أنهم على ثغرة حساسة وهامة يجب عليهم أن يقوموا بدورهم على أكمل وجه، لا أن يكونوا عالة على المجتمع بأن يكونوا أبطالاً للكسل والخمول والجلوس في الطرقات!
على «الفرسان الشبابية» أن لا تستعجل قطف الثمار، ولايستعجلوا القرار في كافة مناحي حياتهم، ولا ينعزلوا عن «حكمة الكبار ومشورتهم ورقابتهم» فهم في حاجة ماسة إليها في مسير مثقل بالعراقيل.. يحتاج إلى تأن وتؤدة وفطنة وخبرة.. معذرة «للفرسان» فالحديث عنهم ذو شجون.