مهما مضت بك أيام العمر، سوف تتعلم في كل لحظة حكمة جديدة، وتتنبه لتلك الومضات الحياتية التي غفلت عنها أثناء المسير، نتعلم وننتبه ونتغافل ونتجاهل من أجل أن نعيش حياة سعيدة هانئة، من أجل أن نعد العدة لصناعة «الرحيل الجميل» من عالم البشر، مواقف متجددة، ودروس تعلمناها ومازلنا نتعلمها مهما تقدم بنا العمر، علمتني إياها تلك الأيام التي مضت بعد رحيل «والدي» الحبيب رحمه الله، أخطها مرات ومرات وإن تكرر المقام، لأني على يقين، بأنها نبراس المسير، نحو الملك الديان العليم.
* لحظات من الزمن، كتبت أناملي فصولها، أحكيها لنفس تعشق حب الخير وتعشق العطف والحنان وحصد الحسنات، لنفس تتبصر مواقعها، تخشى أن تكون مقصرة في دنيا البشر، تأملت السحاب، تأملت معانقة السماء للبحر، كأني أراهما يحكيان قصة جميلة، بطلها ذلك المرء البسيط الذي بذل حياته لله تعالى في كل لحظاته، قصة سريعة، أحداثها متتالية، ولكنها هل انتهت، كلا، إنه ميلاد متجدد لأنفاس أخرى تعشق الخير لتعيش من أجله، ميلاد معانقة جديدة لبحر ساكن بزرقته يلامس زرقة السماء كما أرى ذلك في الأفق البعيد، هكذا سنكون بعون الرحمن، ثقة متجددة وأملاً وتفاؤلاً وحياة أسعد.
* «لحظات الفراق» صعبة جداً وقاسية في قاموسنا الحياتي وبخاصة عندما تكون لأحد أركان «العائلة» الذين كان لهم من بعد الله تعالى الفضل الكبير في نشأتك وتميزك وسعادتك في هذه الدنيا، لحظات صعبة بالفعل قد لا تستوعبها في البداية، قد تظل أسير الذكريات والمواقف والجلسات التي جمعتك بهم لفترة ما، لأنهم بالفعل كانوا يمثلون «شمعة منيرة» تنير «البيت العود»، ثم انطفأت، لتبقى الذكريات تطل من بعيد على نفوس عشقت أنوارها، وبالرغم من «مرارة الفراق» إلا أنك تتذكر في كل حين، محطة زائلة لك ولغيرك، لذا فإن خير ما تشتغل به بعد هذا الفراق، العمل الصالح الدؤوب، هو خير بر لك ولهما.
* يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى..». ويقول عبدالله ابن المبارك رحمه الله: «رب عمل صغير تكبره النية، ورب عمل كبير تصغره النية». عش حياتك وأيامك وكل أعمالك بنية خالصة تسري في عروقك، فالنية هي روح كل أعمالك، وحياة لكل عمل تقوم به صغر أو كبر، لا تغفل أبداً بأن تصحب النية والإخلاص عند بدء يوم جديد في حياتك في كل يوم، حياة نسير فيها لنقتنص كل حسنة نزيد بها من رصيدنا عند الملك الديان، فاحذر من أن ينقضي تعب السنين بدون نية خالصة، تبتغي فيها وجه الله تعالى ورضوانه.
* تتحرج بالفعل من ذلك التواصل الجميل الذي يكرمك به بعض الأفراد ممن جمعتك بهم لحظات بسيطة في طاعة الله تعالى، وتعرفت عليهم على عجالة، الفاضل «بوعمر» من دولة قطر الشقيقة تعرفنا عليه في حملة الحج، عندما علم بالخبر أثقل على نفسه بالمجيء للبحرين للتعزية والانصراف في نفس اليوم، فالأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وواضعاً نصب عينيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله، ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً». ما أروعها من علاقة ربانية إيمانية نتعلم منها الكثير في مسير حياتنا، فكلما ألم بأحبابنا ومعارفنا ألم، سارعنا لمواساتهم ونجدتهم، شعور جميل متبادل.
* جمل حياتك بالذكر والاستغفار وقراءة القرآن الكريم، لا تمر عليك أي لحظة دون أن تغتنمها في ذكر الله تعالى، نغفل كثيراً وتسرح عقولنا في ما لا فائدة فيه، في الوقت الذي فتح لنا المولى الكريم الأبواب لحصد الحسنات بذكر وتسبيح واستغفار وقراءة للقرآن، كلنا يقصر، ولكن الحذر من أن يستمر التقصير، الوقت يتصرم، ولا يعود أبداً.
* احذر من أن تكون سبباً في تنافر القلوب وابتعادها، حاول في كل موقف وفي كل موطن أن تكون فراشة تجذب الجميع بجمال ألوانها ورقتها، لا تفسد أي لحظة تقضيها مع الآخرين بذكر الزلات والمعايب للحظات مضت، لا تفسدها بأي نقيصة تشاهدها هنا أو هناك، فقط عش لحظة السعادة والهناء معهم، اجمع قلوبهم على الحب والصفاء والخير، وذكرهم أننا نعيش في «دنيا صغيرة وقصيرة»، لنستمتع بها بخير يوصلنا إلى جنان الله الخالدة.
* أحسن صناعة ذكرك في الدنيا، ولتكن بصماتك مؤثرة في كل ميدان، من الآن أحسن «صناعة الرحيل» ولتكن أمامك أجمل اللحظات تقتنصها من أجل طاعة الله تعالى، اعمل الخير وبادر لكل موطن تشعر بأنك ستحصد من ورائه الأجر الوفير من رب العالمين، ابصم بصماتك المؤثرة وانقشها في قلوب كل من تقابله وتعمل معه، حتى تنعم بدعوة قلبية رقيقة منه «اللهم اغفر لي ولهذا أخي».