ستضع الحرب أوزارها قريباً في الموصل وسينقشع غبار المعركة عن أطلال مدينة كان اسمها الموصل وسيحتفل دهاقنة البيت الأبيض وملالي قم والميليشيات بنصرهم المزيف وسيشاركهم المطبلون والغوغاء رقصاً على أشلاء آلاف الأبرياء الذين قضوا تحت سقوف بيوتهم المتهالكة والتي هوت عليهم من شدة العصف والقصف دون تمييز، ولم يعد بالإمكان إنقاذ حتى من نجى منهم، وقد فاقت الضحايا مسلحي تنظيم الدولة «داعش»، الذين لم تنطلق العمليات إلا لأجل القضاء عليهم لكنه وعلى النقيض من ذلك، فقد تم وبتعاون واضح بين قادة «داعش» وأسيادهم وبدقة متناهية استهداف الأبرياء والأطفال والنساء والبنى التحتية للمدينة وطمس كل تاريخها وسرقة الثمين من آثارها وتدمير جامعتها العريقة وحرق مكتبتها الشهيرة وختمت بليلة القدر بالغدر برمزها منارة الحدباء وتشريد مئات آلاف من أهلها في خيام مهلهلة يصارعون الموت في العراء.

لقد عجزت كل الفضائيات ووكالات الأنباء التي تدار من ‘يران والحكومة العراقية عن إقناع العالم والمتابعين لسير المعارك وخلال فترة تسعة أشهر من بدء معركة لما يسمى بتحرير الموصل عن إظهار جثة أي من قياديي «داعش» الإرهابيين أو حتى أسر أحد منهم أو نشر محادثاتهم وكيفية تنقلهم، وتبيان نوعية تسليحهم أو كشف خيوط تنظيمهم أو الاستيلاء على ما تبقى من مقراتهم وأنفاقهم وما تحتويه من وثائق وكيف كان يدار ذلك التنظيم للفترة التي بسطوا نفوذهم لثلاث سنوات عجاف على مدينة هي من أكبر مدن العراق وكل ما عرض هو أشلاء وجثث متناثرة هنا وهناك تدعي القوات العراقية أنها لمقاتلي «داعش» دون دليل قاطع وهم لا يتجاوزون العشرات فأين تسلل السبعون ألف مقاتل وأين تبخر قادتهم؟!

بعد كل تلك الضجة الإعلامية والتزييف للحقائق، كمحاولة مفضوحة للفت الأنظار عما جرى من مجازر مروعة بحق المدنيين وقلب الحقائق بأن ما يجري في الموصل هو حرب على الإرهاب والقضاء عليه، لكنه لم يكن سوى كذبة كبيرة لإيهام بسطاء الناس أن العالم بأجمعه متعاطف مع الموصل وأهلها والنتائج على الأرض تثبت عكس ذلك تماماً!!

فلم تكن تلك المعركة سوى تبادل لأدوار تدميرية ونهاية مرحلة والتهيؤ لمرحلة أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد جنت إيران وأمريكا من هذه اللعبة القذرة الكثير، ومن مبدأ أن الأرض لمن يحررها فلن يستطيع أحد بعد اليوم الاعتراض على التواجد الإيراني الرسمي بجنرالات طهران وميليشياتها وملء شوارع الموصل بمسلحيهم، كذلك التشكيلات المسلحة للمتضررين من «داعش»، من مسيحيين وإيزيديين وغيرهم، وإعلاء الشعارات الطائفية وفتح المقرات لكل الأحزاب والتشكيلات الإيرانية لبسط نفوذها بأريحية بعد أن عجزت عن ذلك قبل دخول «داعش».

أما ما جناه الجانب الأمريكي من معركة الموصل فإنه أصبح درساً قاسياً لكل من يفكر بعد اليوم في مقاومة الاحتلال الأمريكي في أي بقعة من العالم فسيكون مصيره كمصير الموصل والفلوجة اللتين دفعتا وأهلهما ثمناً باهظاً لمقاومة المحتل، وكذلك سيستجدي قادة السنة، وحتى فصائل المقاومة التي أضعفها وشتتها ذلك التنظيم، رضا أمريكا بل سيتوسلون لها للعودة إلى محافظاتهم وبناء قواعد ضخمة قربهم لحمايتهم من الغول الإيراني، فعدو الأمس سيطرقون بابه بقوة عله يرضى أن يكون حليف اليوم!!

كذلك فلقد عجل ذلك التنظيم من مشروع بايدن للتقسيم الذي كان ينظر إليه يوماً ما بأنه توجه صهيوني وعدواني ويستحيل قبوله وتطبيقه!! فكان أول المعارضين له هم «المكون السني» لكنهم اليوم يلهثون خلفه لأنه هو الخيار الوحيد المتاح لهم ولا سبيل لبقائهم ولا العودة لمناطقهم المدمرة ولا العيش بسلام بدونه.

أما قادة الكرد فبدؤوا يستشعرون حجم الخطر القادم فما يدريهم أين ستحزم «داعش» أمتعتها وأين هذه المرة وجهتها!!

فهم يحاولون وبأي طريقة الانفصال عن العراق ووضعه وراء ظهورهم.

ولقد خسر قادة الشيعة حليفهم الكردي الذي كان كبيضة القبان في حكمهم ولقد وصل الخلاف بينهم إلى حد كسر العظم ولم يعد من السهولة استمرار تربعهم على كرسي الرئاسة والانتخابات التي ينتاب المراقبين الشكوك وفي ظل هذه المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية إنجازها!!

شكر وتعظيم أمريكي إيراني لـ»داعش» فلقد وحدت العراقيين ولأول مرة للوصول لهدف بايدن وعلى جماجم أهل الموصل وأشلائهم!!