إن تضافر التطورات العالمية المرتبطة بأزمة كورونا (كوفيد19)، وانعكاساتها على الاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والعمل، مع توجه منظمة الصحة العالمية والحكومات والهيئات نحو الحلول التكنولوجية والذكاء الاصطناعي في التعامل مع تداعيات الأزمة على أكثر من صعيد، تجعل استراتيجية الذكاء الاصطناعي والبيانات من ضمن الاستراتيجيات المهمة التي ينبغي أن تستخدم بشكل أكبر لتحقيق التنمية خلال الأعوام القادمة، حيث أظهرت الأزمة بوضوح أن استثمار امكانات الذكاء الاصطناعي مع غيره من التكنولوجيا الحديثة يمكن أن يكون تسلح بالقوة ومحرك للوصول إلى النمو والانتقال إلى مستقبل أفضل، الأمر الذي يستدعي مراجعة دول الخليج لاستراتيجيات وأهداف الذكاء الاصطناعي للنظر في مدى موائمتها مع الأولويات المستجدة وكيفية تسريع عملية التحول إلى تطبيقاته في القطاعات الحيوية، فالسؤال الأساسي في هذه المرحلة هو «هل الاستراتيجيات والأهداف الوطنية للذكاء الاصطناعي ما تزال متوافقة مع معطيات المرحلة المقبلة؟».

يتمثل الوضع الحالي للجهود وجهوزية الذكاء الاصطناعي في دول الخليج بإنقسامها إلى مجموعتين، المجموعة الأولى هي الدول التي قامت فعلياً بإطلاق استراتيجيات ومشاريع طموحة للذكاء الاصطناعي وهيئات وطنية تتولى التخطيط وتنفيذ مشاريع وأهداف الذكاء الاصطناعي وتنظيم قواعد البيانات على المستوى الوطنيفي قطاعات عديدة، وهي الإمارات والسعودية. أما المجموعة الثانية تضم باقي دول الخليج التي تشجع التوجه نحوالذكاء الاصطناعي في تطوير القطاعات الانتاجية والخدمية، إلا أنها مازالت في طور وضع استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي. وبغض النظر عن تفاوت مستوى الجهود المبذولة في هذا الشأن، فإن جميع دول الخليج تتمتع بجهوزية عالية للذكاء الاصطناعي من ناحية البنية التحتية للاتصالات ومستوى الخدمات الإلكترونية، الأمر الذي يشجع على إعادة النظر في أهدافه وأولوياته في ضوء معطيات المرحلة المقبلة، فبحسب تقرير استطلاعات الحكومة الإلكترونية «eGovernment Survey 2020» الصادر عن الأمم المتحدة، حققت دول الخليج مراتب متقدمة في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية «EGDI» الذي يقيس مستوى تمكن الحكومات من استخدام تكنولوجيا الحكومة الإلكترونية والمعلومات لبناء مجتمعات مستدامة ومرنة، حيث جاءت الإمارات في المرتبة «21»، والبحرين المرتبة «38»، والسعودية المرتبة «43»، والكويت المرتبة «46»، وعمان المرتبة «50»، من بين 193 دولة حول العالم، مع تصنيف الإمارات والبحرين ضمن مجموعة المستوى المرتفع في تطور الخدمات الإلكترونية.

كما تشترك دول الخليج بارتكاز توجهاتها نحو تسخير قوة الذكاء الاصطناعي والبيانات في تحقيق الرؤى الوطنية وتطوير القطاعات التنموية الحيوية بصفة عامة، والتحول إلى الاقتصاد المعرفي بصفة خاصة، بالإضافة إلى دراسة التشريعات المتعلقة بالتحول للذكاء الاصطناعي.

وبالرغم من أهمية هذه الخطوط العريضة التي تنطوي عليها رؤى الذكاء الاصطناعي في الدول، إلا أن تركيزها على قضايا التعليم والصحة والأمن السيبراني في المرحلة المقبلة، يسهم بترقية تلك المواضيع التي كشفت الأزمة مدى حاجتها إلى الحلول التكنولوجية المتقدمة والبيانات، أبرزها محاربة الأوبئة، وتطوير الخدمات الطبية والرعاية الصحية في المستشفيات، وتفعيل التعلم عن بعد ورفع جودة التعليم التقليدي في المؤسسات التعليمية في جميع المراحل، وتشغيل الهوية الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات على الانترنت خاصة في ظل التوقعات بتسارع التحول الرقمي في كافة القطاعات بعد الجائحة. ولذلك، يجب أن تكون المرحلة القادمة مرحلة يخطط فيها أهداف الذكاء الاصطناعي في ضوء تحولات أزمة (كوفيد19)، والأولويات المشارة إليها.