أتاحت الأزمة للمنظمات في الكثير من القطاعات فرصة استثنائية لتفعيل سياسة العمل عن بعد وتجريبها على نطاق واسع، والتي أدت إلى فتح الطريق أمام استخدام الأساليب الإلكترونية في ممارسة الإدارة والعمل، وإعادة تشكيل نظرة جديدة للاتصال والإدارة عن بعد.

وتدل التقارير والدراسات المتوفرة حتى الآن أن لسياسة العمل عن بعد التي اتبعتها عدة مؤسسات حكومية وخاصة، نتائج جيدة فاقت التوقعات في ظل الظروف الصعبة التي فرضتها الأزمة وتحديات طبيعة العمل عن بعد، إذ أدت إلى زيادة مستوى الإنتاجية والحفاظ على دافعية الإنجاز لدى الموظفين.

فقد أظهرت دراسة قام بها باحثون من هارفارد بزنس سكول وجامعة نيويورك استهدفت أكثر من ثلاثة ملايين موظف يعملون في أكثر من 21000 شركة و 12 مدينة في شمال أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط، أنه عن فترة قدرها ثمانية أسابيع بعد قرارات الإغلاق الحكومية، ازداد متوسط يوم العمل بمقدار 48.5 دقيقة مقارنة بنفس المدة قبل تلك القرارات، ويعود ذلك بسبب ازدياد المراسلات الإلكترونية بعد ساعات العمل الرسمية بمقدار 5% بين موظفي المؤسسة الواحدة حسب الدراسة. وأظهرت الدراسة أيضاً ازدياد عدد الاجتماعات اليومية بمقدار 12.9% مقابل انخفاض متوسط مدة الاجتماعات بمقدار 18.6 دقيقة لكل موظف، نتيجة نقص قدرة التركيز في الاجتماعات الافتراضية والاضطرار للتعامل مع الإلهاءات في المنزل.

وكما هو واضح، لا مجال للاختلاف على فعالية سياسة العمل عن بعد ودور وسائل العمل الإلكترونية في وضع الأزمة، فما الذي يمكن أن يقال بناء على هذه النتائج والدلائل المتحققة؟ جوانب ثلاثة هنا يمكن الإشارة إليها: أولاً، من المفترض توسيع قاعدة الاستفادة من سياسة العمل عن بعد، خاصة بعد أن أثبتت الأزمة أن هناك مجموعة كبيرة من الوظائف المكتبية والإدارية قابلة لإدراجها في قائمة الوظائف التي تنطبق عليها السياسة الحالية، وأن إنتاجية العمل عن بعد في هذه الوظائف لا تقل جودة عن الوجود داخل المنظمة.

ثانياً، إن تعديل سياسات العمل عن بعد وفق أهداف إدارات المنظمة، سوف يساعد في تحسين إنتاجية ومرونة ساعات العمل، كما ينبغي عدم مقاومة فكرة العمل عن بعد ومنح فرصة الاستفادة للموظفين الجادين والمتفانين في العمل عند الحاجة المؤقتة، إذا كانت طبيعة العمل تسمح بذلك، ما يتيح فرصة أكبر لحرية وإبداع هؤلاء الموظفين.

ثالثاً، لقد عرفنا في الأزمة مدى قيمة إدارة المشاريع وفريق العمل إلكترونياً، وفائدة تلك التطبيقات والمنصات السحابية التي تم استخدامها بشكل مكثف جداً في الأزمة من قبل الكثير من المنظمات حول العالم بينما كانت سابقاً غير مستغلة على الوجه الأمثل، الأمر الذي يؤكد على ضرورة التحول من الإدارة التقليدية إلى الإدراة الإلكترونية التي تقوم على استخدام الإنترنت في إنجاز وظائف الإدراة، والعمل على مواصلة استغلال التطبيقات الإلكترونية المتاحة في دعم أعمال التواصل وتبادل المعلومات عن بعد بين الإدارات وفروعها وبينها وبين العملاء لما لذلك من انعكاس إيجابي في تقليل كلفة الإجراءات والجهد المبذول ورفع مستوى السرعة وجودة الأداء في العمل.