تابعتُ باهتمامٍ شديد البيان الذي تلاه السفير أحمد إيهاب جمال الدين المندوب الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة بجنيف قبل عدة أيام رداً على بيان صادر عن «31» دولة حول وضع حقوق الإنسان في مصر، والذي تلته السفيرة كريستي كاوبي المندوبة الدائمة لفنلندا بجنيف والتي سبق وأن شغلت منصب سفيرة فنلندا لدى الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد عبر المندوب المصري في بداية كلمته عن أسفه لما وصل إليه مجلس حقوق الإنسان من «تسييس فج وتصعيد غير مبرر، وإساءة استخدامه كغطاء من قبل دول.. للتعتيم على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان»، ثم تعرض لجميع الدول التي وقعت على البيان المشترك وبيَّن جوانب من انتهاكاتها لحقوق الإنسان من أبرزها تحقير جماعات عرقية أو مستضعفة وعدم قيام حكومات بعض الدول -الموقعة على البيان- بتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة لمواطنيها في ظل جائحة كورونا. واختتم المندوب المصري كلمته بالقول: «على من يريد حقاً التعاون معنا أن يتوقف عن اتباع هذا النهج الهدام».

لقد شاركتُ في أعمال مجلس حقوق الإنسان بجنيف ثلاث مرات (مرتان في 2021 ومرة واحدة في 2017)، ولا أزال بين الحين والآخر أتابع أعماله، إلا أنني لم أسمع بياناً صادراً من دولةٍ عربية أكثر حدةً ووضوحاً من هذا البيان. فقد تم صياغة هذا البيان بدقةٍ وحرفية، حيث روعي عند صياغته قصر المدة المخصصة للمندوب المصري لإلقاء البيان حسب نظام الجلسات المعمول به في المجلس. ومن الملاحظ أن العديد من الدول -من بينها دول أوروبية- امتنعت عن المشاركة في إصدار بيان ضد مصر، وهذا يعكس المكانة المرموقة التي تحظى بها مصر إقليمياً ودولياً.

ويمكن تفسير البيان المصري على أنها رسالة مفادها أنه لا توجد في هذا العالم مدينة فاضلة كما تخيلها أفلاطون، وأن كل مجتمع مهما بلغ من درجات الرقي الأخلاقي والثقافي فإن جانبه المظلم لا يزال باقياً. ويمكننا اتخاذ هذا البيان كقاعدةٍ للتعامل مع الافتراءات أو أية محاولة للتعدي على سيادة الدولة. وعليه يجب ألا يكون الهدف من الرد على الدول والمنظمات المسيئة لدولنا هو إقناعها بالحقائق والأرقام، بل يجب أن يكون الهدف من ذلك هو إخراسها، وهذا ما أسميه «الدبلوماسية التأديبية»

فتحية خاصة ملؤها الاحترام والتقدير للدبلوماسية المصرية التي أنجبت نوابغَ تركوا بصمات في مجال عملهم، وأصبحت أقوالهم وكتبهم ومقالاتهم مصادر مهمة وأفكاراً ملهمة.