تميزت الكويت منذ مطلع الستينات وبالتحديد عام 1962 بالديموقراطية وحرية الرأي والتعبير عندما صدر أول دستور ينظم الحقوق والواجبات حتى أن الكويت تربعت على عرش الدول العربية والإقليمية في حرية الرأي والتعبير في مناخ ديموقراطي جعلها قبلة المثقفين والأدباء العرب المنفيين من بلادهم ليكتبوا بحرية في الصحافة الكويتية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكان مجلس الأمة الكويتي هو البرلمان الأبرز عربياً حيث كان له الدور الأبرز في كل إنجاز تحقق على أرض وطننا العزيز، حتى أن الفترة ما بين 1962 و2006 لم تسجل سوى 8 حالات فقط كإدانة في قضايا حرية الرأي والتعبير!

فما الذي حدث بعد ذلك لكي ترتد حرية الرأي والتعبير إلى الوراء وخاصة بعد موجة الربيع العربي منذ عام 2011، ولماذا نخسر كل يوم ما تم تحقيقه من مكتسبات كان لها الفضل الحقيقي فيما نعيشه الآن من أمن وسلام واستقرار بين جميع أبناء الشعب الكويتي على اختلافهم؟!!! لا أنكر أن البعض يسيء استخدام هذا الحق الذى يكفله الدستور في المادة 30 أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما»، ولكن ليس من حق أحد أن يعاقب الجميع وأن يلغى حق مكفول بنص الدستور حتى وإن كانت هناك قوانين تنظم حرية الرأي والتعبير على مواقع التواصل الاجتماعي لمجرد أن أبدى رأياً في أمر يمس الوطن أو قام بعمل إعادة تغريده مثلاً..!!!!!! فيلاحق قضائياً من جهة ومن جهة أخرى يقع فريسة لمحاولات ابتزاز الغرض منها معروف سواء النيل منه أدبياً ومعنوياً أو مادياً علي الأرجح.

..فلا بد أن تنتصر هذه القوانين للحق المكفول دستورياً لا أن يصبح القانون سيف مسلط على رقاب الجميع يستغله بعض الانتهازيين والمنتفعين فى ملاحقة الشرفاء قضائياً بحجة الإساءة! نحن نعلم جيداً الفارق بين حرية الرأي من جهة والسب والقذف من جهة أخرى، ويجب أن ينتصر القانون لحرية الرأي والرقابة المجتمعية على كل مسؤول وليس العكس بأن يصبح الجاني هو الضحية استغلالاً لثغرات في القانون لكي يلاحق بها الشرفاء الغيورين على وطنهم ومكتسباته الحقوقية !! الإنسان الشريف لا يخشى النقد والاتهام والاستفسار لأن الصالح العام هو الهدف لكل وطني غيور على وطنه وأن نسلم راية الوطن لأبنائنا كما استلمناها من الآباء والأجداد.

لقد انتقدت منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان والعديد من منظمات المجتمع المدني التراجع الكبير في حرية الرأي والتعبير في السنوات العشر الأخيرة في الكويت وإدانة وملاحقة المئات من أبناء الشعب الكويتي بتهم تتعلق بالرأي حتى أصبحت المحاكم تعج بهذه القضايا التي يعتبر أغلبها تصفية حسابات شخصية وسياسية واغتيال معنوي لكل مواطن شريف ووطني غيور يرى الإرث الحضاري الديموقراطي نهباً على أيدى بعض المفسدين، كما أن هذا النوع من القضايا المتعلق بالجرائم الإلكترونية يجب أن يتم إعادة النظر فيه لكي يكون قاصراً على قضايا السب والقذف والتشهير بدون دليل وليس عقاباً لكل من يكتب رأياً لا يعجب الآخرين!! والحقيقة أن هذا النوع من القضايا والملاحقات للجميع يعطل سير العدالة في قضايا أخرى أكثر أهمية للوطن والمواطنين!! إن الأوطان العظيمة تُبنى على أكتاف الشرفاء أصحاب الكلمة ولا يهدمها إلا من يخشون الكلمة.

وأختم مقالي بمقولة للأديب والمفكر عبدالرحمن الشرقاوي على لسان الإمام الحسين بن على رضى الله عنهما عن «الكلمة» حيث يقول... «إن الحياة ما هي إلا كلمة.. كبرت كلمة.. وهل البيعة إلا كلمة.. ما دين المرء سوى كلمة.. ما شرف الرجل سوى كلمة.. ما شرف الله سوى كلمة.. أتعرف ما معنى الكلمة؟! مفتاح الجنة في كلمة.. دخول النار على كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور.. وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري.. الكلمة فرقان بين نبي وبغى.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة.. عيسى ما كان سوى كلمة.. أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم.. الكلمة زلزلت الظالم.. الكلمة حصن الحرية.. إن الكلمة مسؤولية.. إن الرجل هو كلمة...