بالرغم من التحديات الصعبة التي واجهتها البحرين ومازالت نتيجة لعدة عوامل، من أبرزها الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتذبذب أسعار النفط، وانعكاسات كل ذلك على الاقتصاد البحريني وتوازناته، والضغط المتزايد على الأحوال المعيشية، خاصة في ظل استمرار تفشي جائحة كورونا بكلفتها الصحية وانعكاساتها الاجتماعية والمالية الضخمة، فإن الاقتصاد البحريني، قد شهد عدداً من مؤشرات التعافي، وفقاً لما نشرته مؤخراً وزارة المالية والاقتصاد الوطني في تقريرها الاقتصادي الفصلي للربع الثالث من العام 2021، والذي لخّص أبرز المستجدات على صعيد الأداء الاقتصادي وقطاعاته المختلفة، كنتيجة مباشرة لحسن التدبير، سواء عبر خطط التعافي أو من خلال برنامج التوازن المالي.

وبغض النظر عن تفاصيل ما ورد في هذا التقرير، وما تضمنه من أرقام إيجابية مبشرة ببدايات التعافي، وصولاً إلى بداية النهوض بإذن الله، ومنها تحقيق لمراكز متقدمة في عدد من التقارير الدولية المعنية بالاقتصاد، ومن بينها تقارير التنافسية الدولية، فمن الواضح أن ذلك التحسن قد جاء بفضل السياسة المالية المحكمة لإدارة الاقتصاد، خاصة في ضبط سياسة الإنفاق العمومي وترشيده. مما مكَّن من إضفاء الكفاءة على السياسة المالية العمومية. وساعد على تحقيق قدر من التعافي، ونسبة مهمة من النمو، كنتيجة مباشرة لتبنّي استراتيجيات أسهمت في تفعيل دور القطاعات ذات الأولوية. و إطلاق عدد من المبادرات الهادفة إلى تعزيز الاقتصاد وخلق المزيد من الفرص النوعية للمواطنين. حيث بلغت نسبة النمو في العام 2021 حوالي 2.1%. كما شهد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نمواً بنسبة 3.8%. كما شهدت أغلب القطاعات غير النفطية المالية والعقارية والإنشائية والمواصلات، إضافة إلى ما حققته الخدمات الحكومية نمواً مطرداً، كما جاء في التقرير.

وقد تحققت مثل هذه النتائج الإيجابية في أوج التحديات والصعوبات، من دون التخلي عن البعد الاجتماعي في سياسات الدولة، حيث لا يمكن تحقيق التوازن المالي والاقتصادي بمعزل عن التوازن الاجتماعي، وذلك بالتمسّك بمجتمع عادل، والجمع في الإصلاح بين أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية معاً. وربط الإصلاحات الاقتصادية بالإصلاحات الاجتماعية التي تتأسّس على تأمين الحقوق التي تجسّم العدالة الاجتماعية وتشيع التّضامن والانسجام والاستقرار.

ولتحقيق ذلك لابد من الربط المستمر بين تحقيق التوازن المالي والنمو والاقتصادي، من ناحية، والتوازن الاجتماعي، من ناحية أخرى، وتعزيز بنى وسياسات الدولة الاجتماعية التي مثلت إلى حد الآن صمام الأمان، للحدّ من الآثار السلبية للعولمة على عموم الناس، خاصة الفئات الهشة من الفقراء ومحدودي الدخل تحديداً، لمواجهة شمولية النظام الرأسمالي الليبيرالي الذي لا يهتم كثيراً بالجانب الاجتماعي، خصوصاً وأن اقتصاد السوق أصبحت أزماته وتداعياتها مستمرة بلا توقف، مما يتطلب الاستمرار في اتخاذ إجراءات تعديلية لحفظ هذا التوازن الذي هو أساس التنمية والاستقرار.