قال الله تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، إلى نهاية الآية الكريمة، يحدثنا التاريخ الموغل في القدم، أن التجمعات البشرية التي تنشأ في البيئة المتوفرة فيها المياه بصفة دائمة، تكون الأرض ومن عليها من مواطنين، عرضة لأطماع التجمعات البشرية الأخرى التي يشح فيها الماء، وبالتبعية يندر فيها الغذاء،لأضرب بقصة ذي القرنين عندما وصل إلى أقصى الشرق وهي الصين، استنجد به شعب آمن يعيش في بحبوحة من الاستقرار والأمان وعمارة وطنهم، لكنهم لا يأمنون من غارات جيرانهم، وهم قبائل رعوية لا إقامة دائمة لهم على مساحة من الأرض، بل هم قبائل متنقلة، يعتمدون على الغارات على جيرانهم ونهب ثرواتهم وقتل شبابهم وسبي نسائهم، وهما القبيلتان اللتان ورد ذكرهما في القرآن الكريم، وهما يأجوج ومأجوج، فاقترح الآمنون على ذي القرنين أن يبني سداً يقيهم شر يأجوج ومأجوج، لكنه -أي ذي القرنين وهو الإسكندر الأكبرالمقدوني- وبخبرته العسكرية التي ورثها من والده فيليب اقترح عليهم أن يجعل بينهم وبين من يخافونهم ردماً، وكان مانعاً عظيماً حال دون تحقيق أعدائهم أن يظهروا أو إحداث ثقب فيه.

مملكة البحرين من بعد الفتح العظيم الذي تحقق بقيادة المغفور له القائد الشيخ أحمد الفاتح تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته، لم تسلم البحرين وشعبها من أطماع الآخرين، فكان الوطن عرضة لقوى كثيرة تتصارع للاستيلاء عليه، فكان لابد من عقد تحالف مع أقوى القوى لحمايتها، وكانت بريطانيا هي الأقوى في ذلك الزمان، وأبرمت البحرين معها اتفاق حماية خارجية، وكان اتفاق الحماية الخارجية مع بريطانيا اتفاق شجاع ومطلوب في حينه، كما نرى ذلك في التحالفات الدولية في عصرنا.

واجتزنا تلك الفترة، وشغلنا أنفسنا بتثبيت أركان الدولة المعاصرة، حتى جاء عهد المغفور له سمو الأمير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، رحمه الله، وطيب الله ثراه، الذي وضع حداً لمطالبة إيران بالبحرين، وقد نجح المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء الراحل، طيب الله ثراه، بدبلوماسيته الفذة وحنكته السياسية، مع شاه إيران من الموافقة على استفتاء لرأي المواطنين تحت إشراف الأمم المتحدة، وكانت النتيجة، لا تبعية ولا ولاء للشعب إلا لقيادة حكومته القائمة.

في عام 1968، أكمل ولي العهد دراسته الذي هو حالياً مليكنا المفدى، حضرة صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله تعالى ورعاه، وجاء الوقت المناسب لإنهاء المعاهدة مع بريطانيا وقيام دولة البحرين المستقلة في عام 1971، وقيام صداقة قوية مع بريطانيا وشعبها الصديق، مما أهل الحكومة لتأسيس قوة دفاع مسلحة بأحدث الأسلحة في المفاصل الثلاثة، البرية والبحرية والجوية بقيادة جلالته المفدى المؤسس القائد الأعلى، وبمساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله تعالى ورعاه، وبمساعدة من كل الشباب البحريني الذي أقسم على بذل الروح والدم للذود عن حياض الوطن بكل تضحية وفداء، فإذا بقواتنا المسلحة تقف بكل إباء وشرف واقتدار إلى جانب الجيوش العريقة، لحماية الوطن والمواطنين ومكتسباته، فهي أي قواتنا تقف بكل بسالة إلى جانب شقيقاتها العربية في السراء والضراء. جيشاً مكتمل الأركان رائده الدفاع في المقام الأول، وإحلال السلم الداخلي والمساهمة في صون السلام العالمي.

وفق الله تعالى مليكنا المفدى المؤسس إلى ما فيه الخير والسؤدد، واهنأ يا موطني بذكرى عيد جيشك الباسل الـ54، وعاشت بلادنا في أمن وسلام دائمين.