نستذكر في هذه الأيام من شهر فبراير، تلك الخطوات المهمَّة التي خطاها جلالة الملك المفدى، في نهاية العام 2000. عندما طرح تصوّره لمشروعٍ إصلاحيِّ «يستعيد نهضة البحرين التاريخية». وكيف شكّل ميثاقُ العمل الوطنيِّ أبرزَ ملامح هذا المشروع لبناء الدِّيمقراطيةِ. فجاء الاستفتاءُ على الميثاق بموافقةِ الغالبية العظمى من أبناء البحرين. وليفتح مرحلةً جديدةً من الإصلاح، وليكون نقطةَ تحّولٍ كبيرة في تاريخ البحرين المعاصر.

لقد أسهمَ الميثاقُ، وما انبثق عنه من تشريعات وإجراءات وقرارات جريئةٍ، في حلِّ العديد من الإشكالات التي كانت قائمةً، مثل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وطبيعة المشاركة الشعبية، ونوع العلاقة بين المجلس التشريعي المنتخب والمجلس الاستشاري، والعفو التشريعي العام، وكل ما يتعلَّق بالحقوق والحريات.

لقد كان المشروعُ الإصلاحيُّ مدركاً، منذ البداية، لما تحمله التحوّلات الدوليةُ والإقليميةُ من انعكاساتٍ وتحديات. وما يفرضهُ الواقعُ المحليُّ من استحقاقات وتطلعاتٍ، في سبيل تحقيق الاستقرار السياسيِّ والنَّماء الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ، في ظلِّ نظامٍ ملتزمٍ بالدِّيمقراطيةِ كأساسٍ للحياةِ السِّياسيةِ، وبالمساواة وتكافؤ الفرص وتعزيز المواطنة كأساس للانتماء.

واليوم يمرُّ على هذه الذِّكرى الوطنية، نحو 21 سنة، ومع ذلك يبقى ميثاقُ العمل الوطني مرجعاً جامعاً. ويبقى المشروعُ الإصلاحيُّ قوةَ دفعٍ للتَّطوير والتَّجديدِ، لم تستنفد طاقتها. وعند تذكر تلك اللحظات الإيجابية، لابد من استعادة الثوابت والقيم التي جاء بها الميثاق والمشروع معاً، خاصة وأن البحرين قد خطت خطواتٍ كبيرةً، وحقَّقت طموحات كبيرة، وبقيت -كما هو الحال في تاريخ الشُّعوب الحيَّةِ المُتجددةِ- آمالٌ أخرى يجبُ العملُ على تحقيقها، وآفاقٌ مفتوحة، لتعزيز وتطوير التجربة الديمقراطية، وتفعيلِ دور مؤسسات المجتمع المدنيِّ، بما يعزِّزُ الوحدةَ الوطنيةَ.

إنَّ حجم ما تحقق من مكتسبات كبيرٌ، ويشكِّل علامة واضحةٌ في الإصلاح السياسيِّ. إلا أن هذه التجربة تبقى تجربةً مهمّةً، لابد من تطويرها باستمرارٍ، استناداً إلى ثوابت ميثاق العمل الوطني الذي يجسد حالة إجماعٍ ملهمةً، يمكن استعادتها، واستلهام قيمها باستمرارٍ، للدَّفعِ مجدَّداً نحو المزيد من التَّطوير الذي يعزّز الوحدةَ الوطنية ويُثريها، في سياقِ التَّوافق بين الأطرافِ الاجتماعيةِ، السِّياسية، والعملِ الدؤوبِ على تحقيق المزيد من التَّوازناتِ، والتمسّك بمجتمعٍ عادلٍ، يجد فيه الجميعُ الفرصةَ المناسبة؛ لأن التوازن هو السّمةُ البارزةُ في المشروع الإصلاحيِّ، بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من أجل التجسيد الحيِّ للعدالةِ الاجتماعيةِ وإشاعةِ روح التَّسامح والبناءِ.

همس

كان للنَّهر ضفتان.

وللنَّخلِ رائحةُ الفرح والحَمامِ.

وللعرقِ طعمُ العشق والقمر.

اكتمل المساءُ،

ولم يبقَ في القلب

غيرُ وجعِ الصَّباح.

لم يبقَ للنهر ضفتان، ولا نخلٌ.

لهفي على النَّخلِ، وعلى النَّهر،

يشتاقُ ضفتَه الأخرى.