عاش العالم لحظات مرعبة، فمنذ مخاوف الطاعون والجدري والأوبئة المختلفة في الأزمنة القديمة والتي كان الناس يختبئون منها لأنها كانت تحصد الأرواح تباعاً، توقفت هذه الظاهرة مع تطور العلم حتى أقبل علينا ضيف جديد أعاد العالم لبيوتها، وأعلن عن إغلاق مدن بل دول بأكملها، فهو فيروس أصغر من أن يُرى أو يُحس، ولكنه أجبر العالم على التكاتف من أجل تخطي هذه المحنة.

استطاع فيروس كورونا (كوفيد 19) إخلاء الشوارع والطرق، بل واستطاع إيقاف أماكن العبادة المقدسة، فالكل كان خلف الأبواب خائفاً يترقب ماذا يفعل هذا الفيروس بمصير العالم والبشرية، تساقطت الكثير من الأجساد وارتفعت أرواحها لبارئها حتى استطاع العلم أن ينتصر للبشرية بتوفيق من الله وتسديده لإنتاج اللقاح اللازم للقضاء على هذه الجائحة على مراحل عدة. ولكن خلال هذه الفترة منذ بداية الحجر والحظر والتباعد الاجتماعي بات لدى الشعوب مساحة مليئة بالفراغ، فالعمل أصبح عن بعد، والتعليم أصبح عن بعد، وكل مآلات الحياة تحولت لعمليات في العالم الافتراضي، فأقبل الناس بكثرة تجاه هذا العالم لملء هذا الفراغ الذي كان مليئاً بالأحداث اليومية والأشخاص والمشاعر الحقيقية والتواصل المباشر حتى بات إلكترونياً بحتاً!!

فتنوعت ردود أفعال البشر تجاه الفراغ الغريب الذي اقتحم حياتهم فجأة، فبدأ البعض منهم في صرف مدخراته عن طريق التسوّق الإلكتروني وهذا ما أوصل جيف بيزوس إلى قمة أغنياء العالم حيث تصدرت أمازون عناوين الأخبار في منتصف شهر أبريل، بوصفها أحد أبرز الرابحين من أزمة فيروس كورونا؛ بعد تدفق الزبائن إلى مواقعها ليصرفوا على عمليات الشراء منها ما يقدر، حسب تقارير، بنحو 11 ألف دولار في الثانية. والبعض الآخر كانت الأفلام والمسلسلات هي الحشو الذي ملأ فراغه وكانت نتيجة ذلك إعلان نتفليكس في 22 أبريل عن انضمام نحو 16 مليون زبون جديد إليها في فترات الحجر الكامل في بداية الجائحة.

وفي جانب آخر، ولكنه يعبر عن الاستغلال الجيد لوقت الفراغ الذي عشناه خلال فترة الجائحة يقول أدريان كورن، مدير مؤسسة «تريس لابس» الكندية للبحث عن المفقودين، إن عدد المتطوعين زاد منذ تفشي وباء كورونا، وتنظم الشركة منافسات يشارك فيها قراصنة إنترنت لجمع أكبر قدر من المعلومات التي تساعد في العثور على المفقودين.

بسرعة البرق تكون فريق من 16000 متطوع كانوا يشاركون في مشروع «رينفول ريسكيو» لتحويل السجلات المكتوبة بخط اليد عن الطقس البريطاني إلى ملفات رقمية، وتحوي المستندات الورقية التي تحتفظ بها هيئة الأرصاد الجوية البريطانية 3.5 مليون معلومة وتعود إلى عام 1820، ويقول إيد هاوكينز، عالم الطقس بجامعة ريدينغ المشرف على المشروع: «أدركنا أن المتطوعين كان لديهم وقت فراغ طويل أتاح لهم الفرصة لاستكمال المشروع في 16 يوماً فقط، في حين كنا نتوقع أن يستغرق 16 أسبوعاً». وستستخدم هذه البيانات في تحسين دقة تنبؤات الطقس مستقبلاً.

الفراغ قاتل فالبعض يستخدمه لخدمة نفسه وذاته ليطورها، والبعض الآخر يحشوها بما يضيع الوقت فقط، فاختر كيف تقضي فراغك؟!