في أي مجتمع إنساني هناك علاقات معرفية متشابكة ومتداخلٌ بعضُها مع بعض، يكون لها الأثر المباشر في تكوين الوعي الفردي والجمعي، ذلك لأن الإنسان يكتسب الوعي وإدراكه بالأشياء والموضوعات من مصادر معرفية متعددة كالأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع والقانون ووسائل التواصل الاجتماعي..إلخ، اللافت أن تلك العلاقات المعرفية المشتغلة داخل المجتمع الواحد تولد وعياً نمطياً واحداً، الأمر الذي يجعل من الصعب على الفرد تجاوز هذا التنميط البنيوي، الذي يفرضه المجتمع ومؤسساته.

هذا المنهج التحليلي للبنية الاجتماعية يطلق عليه التحليل البنيوي «structuralism»، طبقاً لهذا المنهج تشكل الظواهر والعناصر الاجتماعية فيما بينها روابط تبادلية، ما يتيح إمكانية قياس حركة الرأي العالم وميول الوعي الجمعي. من جانب آخر ليس بالضرورة أن يتحرك الرأي العام بعقلانية، وليس بالضرورة أن تكون الأفكار السائدة في الوعي الجمعي صحيحة. فقد يتوهم الفرد أن ما يدور في ذهنه عبارة عن مسلمات مطلقة لا تحتمل النقاش، لمجرد أنها مشهورة في المجتمع، وهذه مغالطة منطقية نقع فيها بسبب ظاهرة التنميط. في هذا المعنى يقول ابن النفيس: «ربما أوجب استقصاؤنا النظر عدولاً عن المشهور والمتعارف، فمن قرع سمعه خلاف ما عهده، فلا يبادرنا بالإنكار، فذلك طيش، فرُبَّ شنع حق ومألوف محمود كاذب، والحق حقٌ في نفسه، لا لقول الناس له»، كذلك كان ابن خلدون يرى بضرورة «إعمال العقل في الخبر». نستنتج أن المنهجية في التفكير من أهم أدوات التفكير العقلاني، وغياب المنهج يؤدي إلى اختلال عمليات الفهم على المستويين الفردي والجماعي، لذلك من المهم التأسيس لمهارات بناء الأفكار ومناقشتها، بما يسهل بناء الجسر المعرفي المطلوب بين الواقع الملموس والأفكار النظرية التي تحاول تحسين الواقع، وربما بسبب غياب المنهج نجد في مجتمعنا الميول للنماذج الجاهزة لأنساق فكرية فلسفية أو دينية أو أيديولوجية، وينتظر كل فريق أن يدخل الواقع في نموذجه الذي يروج له، دون دراسة أو مراجعة، وهذه وصفة تؤدي لتراجع وتأخر الأمم، أما المنهج والتفكير النقدي فسبيل تقدم الأمم نحو مستقبل أفضل وأكثر وضوحاً.