تقول: معظم المحيطين بي في العمل من الجيل الذي يليني، وبطبيعتي لا أحتك كثيراً بأحد وأجلس في مكتبي لوحدي فحياتي ترتكز على الوظيفة ومن بعد العمل الاهتمام بزوجي وأطفالي وفي ذلك اليوم دخلت إحداهن مكتبي وأخذت تذم في أحد المسؤولين والزملاء أمامي وتريد رأيي فيهم.

تقول وأنا أتحدث معها شيء ما جعل عيناي على هاتفها فلمحت أنها فتحت التسجيل دون أن تدري أنني منتبهة على ما تفعله فقمت بسرعة ووضعت يدي على هاتفها وأنا أقول لها: يا فلانة تذمين المسؤول ثم تفتحي التسجيل لتسجيل كلام على لساني وهذا دليل عليك أستطيع الآن أن أخذ هذا الهاتف وأحيلك إلى الإدارة وأنبههم أنك تقومين بافتعال مشاكل وتسجيل الموظفين وبدل القضية تكون عليك قضيتين وأستطيع أن أقدم عليك بلاغ بمركز الشرطة وأجعلك في دوامة من المشاكل لا تنتهي وتتمنين لو لم تقومي بهذا العمل الرخيص، لكنني لست مثلك وأحب المشاكل وهذا تحذير مني لك إن كررتي هذا الفعل سأعرف كيف أتصرف معك.

وهي تحكي لي عن هذا الموقف، وكان الموضوع يدور في فلك كيف الناس تحولت إلى وحوش بشرية يعيشون على إيذاء الآخرين، وبث الفتن والمشاكل والقيام بتصرفات بعيدة عن قيم المجتمع البحريني وأخلاقه، وأن أمهاتنا حفظهن الله وجداتنا رحمهن الله لم يعلمونا كيف نتصرف مع هؤلاء، وجدتها تقول: تربية أمهاتنا علمتنا نهتم فقط بتأسيس أنفسنا دون الكيد للآخرين ودون تكون بداخلنا خباثه نؤذي فيها الآخرين لكي نصل لما نريده تربية ممتازة لأنها هي الصحيحة والأساس، ولكن للأسف هذه التربية اكتشفنا أنها لا تصلح ونحن نخوض المجتمعات الخارجية مجتمع الجامعة والمجتمع المهني ومجتمع الصديقات والمعارف.

كان النقاش في هذه الفكرة طويلاً ولكن العبرة التي خرجنا بها أنه ما بين نظام اجتماعي قديم، وما بين تحديثات بعيدة عن القيم والأخلاق ولا تمت للتربية بصلة، إن من يتعامل بالنظام القديم بات إنساناً غريباً تفسر نيته بشكل خاطئ، ويقع في المشاكل دائماً لأنه عفوي ولا يفهم لخبث المجتمع الذي تغير، ولربما كان محظوظاً لأنها عاش فترة ذهبية من عمره حينما كانت القلوب قبل البيوت مفتوحة على بعضها، وكان الخير هو الأساس والشر هو الاستثناء وكان التكافل والتكاتف ومساعدة الآخر لوجه الله ودون أسباب ودون مصالح ودون التفسيرات الخاطئة والخوض في نيتك أساس المجتمع، والكل يسعى لتقريب القلوب بدل بث الفتن وتناقل الكلام وتلك طبيعة بشرية لدى الغالب ومن يفعل العكس كان لا يلقى تشجيعاً، وينبذ ويعاقب وينهر ليعود إلى رشده، النظام القديم للتربية سواء كنت مخطئاً أو أخطأوا عليك كانت الجدة أو الأم عندما تعلم بما حدث تسحبه من يده، وتأتي به ليتواجه مع الآخر بحضور أمه أو جدته، ولا يمضوا قبل أن يستسمح كل طرف من الآخر ويتعلم من أخطائه عكس ما نراه اليوم كل شخص وكأنه وحش يتظاهر بمحبة الآخر، ويبيت النية لإيذائه وإن لم يقدر على إيذائه يحاول استغلاله، المهم أن يظفر بشيء من ورائه يفيده هو وليس مهماً إن كان ذلك على حساب أن يتأذى هو أو تتدمر حياته ودون وخزة ضمير أو الخوف من الله أن يعاقبه و«كما تدين تدان»، لكن الأكثر فائدة في الموضوع أن كل شخص اليوم يمثل قيم أهله ومن ربوه، وكما هناك أبناء محظوظين بعظيم تربية أم هي أيضاً محظوظة لأنها أمام الله لن تحاسب كما الأم التي لم تعلم أبناءها الخوف من الله.