أتأمل تلك «المشاعر الصامتة» وتلك الأحاسيس الجامدة التي نقابلها من بعض النفوس في مسير الحياة، هو ذلك الصمت المطبق تجاه جميع المواقف التي تتطلب أن تكون فيها حاضراً بأحاسيسك الحيَّة.. تتفاعل معها، وتمتزج عاطفتك الجيَّاشة مع مشاعر الود التي ينتظرها من أحبك.

هناك من سلَّم أمره بأن يكون بعيداً عن مواطن الحب، والاستمتاع بتلك القبلات الحانية على جبين من أحب، فأمسك بأحساسيه ومشاعره ودفنها في قلبه إلى الأبد، فلم يترجم حبه كما أراد، ولم يعطِ تلك الأحاسيس المرهفة التي أحبته حقها من الحنان والود والألفة والانسجام العاطفي. تراه جماداً لا ينطق بالمحبة كلما جلست معه، ولا يبادلك بالحب وبكلمات المودة وبملاطفات الحياة.. تتحدث عن حب الحياة ومواقف الفرح والألم واللقاء والوداع وعن إنجازاتك ومشاعر سعادتك، فلا ترى تفاعلاً محموداً ولا مشاعر تتحرك لمعانقة مشاعرك.. صمت يتبعه نظرات تراقب الوضع من بعيد، لا تعرف ماذا تخبىء من ورائها.. هل الحب المدفون.. أو الكره المشؤوم.. أو العتاب من وراء السطور.. أو تردد لا يعرف كيف يبدأ بكلمات الحب.. سكون وصمت مخيف لا يعطيك انطباع الحب منذ النظرة الأولى.. ولا يعطيك التفاعل الوجداني، حتى إنك تأنف من أن تكون موجوداً في ساحته، وتبتعد حتى لا تتعب نفسك بالعتاب الممل، أو بنظرات الوجوم المخيفة.

أولئك الذين حرموا من لحظات اللقاء الحياتي بكل أفراحه وآلامه، فلم تحرك أحاسيسهم ساكناً لكل معاني الود، ولم يكلفوا أنفسهم بكتابة عبارة الفرح «أحبك» أو «تهانينا لك». وزادت الأوجاع بالبعد الجسدي المصطنع خوفاً من «كورونا» وتبعه البعد العاطفي حتى بأبسط الكلمات.. وإن حضرت المشاعر «صمتت» عن رسائل الحب. فلا تنتظر أبداً يوم الجنائز عندما تسكب الدموع، فلا ينفع حينها قبلة على جبين الميت الذي أحببته، فلا جدوى حينها من إظهار المشاعر، وكأنها «شيك بلا رصيد».. الحسرة والندم لا مقام لهما في تلك اللحظات الموجعة.. فقد انتهت المشاعر إلى الأبد، لا تستطيع أن تبادلها مع ذلك الجسد المُسجى، وتتذكر معها لحظات الصمت والجفاء بلا فائدة.

يكفي ما فات من الأيام، فقد مضت تلك اللحظات الجميلة التي تحسرت على ضياعها دون أن يكون لك فيها مشاعر تعبر عن الحب والشوق، يكفي ذلك الصمت العاطفي الذي جعلك بعيداً عن محبيك.. فأنت من ابتعدت فنُسيت في أيام الحياة.. فإياك أن تُنسى بلا أثر مرجو، وبلا مشاعر تكسر بها حواجز الزمان النفسية.. زد من رصيد المحبة، ولا تكتم مخزون الأحاسيس الفيَّاضة، ولا تبخل بها على من تُحب فهي لا تشترى بأي ثمن..

ومضة أمل

تنتظرك المزيد من الأيام في الحياة، فلا تكن قابعاً في بئر النسيان. تمتلك أجمل الكلمات وأجمل اللحظات، فاستثمر أجمل الأوقات لتعيش ودوداً جميلاً مع من تحب.. فبادله الحب بالحب.. وكن قريباً من مشاعره.. واختبر حبك إن غبت عن لقاءاته.. فإن وجدتها صامتة.. فحينها أنت بمعزل عن مشاعر الحياة.. تذكر ذلك جيداً.