قد يعتقد البعض أن الشائعات والأخبار الكاذبة لا تأثير لها على الأسرة ولا على المجتمع، لكن في الواقع أن للشائعة أثراً بالغاً على الفرد والمجتمع، وأنها تعوق عملية فهم المجتمعات لطبيعة الظروف التي تمر بها، وتجعلها عاجزة عن استيعاب الضرورات التاريخية التي تؤثر في اتجاه حركتها ونموها على أرض الواقع، وكذلك تعمل الشائعات على إعاقة خروج المجتمعات من أزماتها في الوقت الملائم. فالشائعة تعمق الأزمة، وتوسع نطاقها أيضاً، وتعمل على استفحال حالات الفوضى التي تصيب الواقع، ويزيد الوضع سوءا أن تهمل السلطات المعينة وأجهزة الإعلام التعامل مع بعض الأخبار الكاذبة ومواجهتها باعتبارها شائعات لا أهمية لها، وليست حقائق، وبهذا تتضخم الشائعات، وتصبح في مثل هذه الأوضاع مؤثرة إلى الحد الذي تعجز معها السلطات وأجهزة الإعلام أحياناً عن مجاراتها، ولهذا كانت الحاجة ملحة لدراسة الشائعات وتحليلها للخروج من دائرة الأزمة. ويخرج أثرها من الفرد إلى المجتمع ثم المجتمعات المجاورة والشائعة تُعمي عن الحق وعن الصراط المستقيم.
التربية الإعلامية ومحاربة التضليل الإعلامي: ولأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً لتصدير الشائعات وإشاعة البلبلة بين الناس، فقد بدأت بعض الدول في تدريس مادة للتربية الإعلامية «media educating» وذلك بهدف تعليم الأطفال والمراهقين القدرة على التمييز بين الأخبار الكاذبة والحقيقية، التربية الإعلامية أو نشر الثقافة الإعلامية، وما يعرف أيضاً بمحو الأمية الإعلامية، هو تعبير يشمل بناء القدرات التقنية والمعرفية والاجتماعية والمدنية والإبداعية، التي تسمح للمواطن بالوصول إلى وسائل الإعلام، والحصول على فهم نقدي لما تنشره، والتفاعل معه.
وهذه القدرات تسمح للشخص بالمشاركة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، فضلاً عن لعب دور نشط في العملية الديمقراطية. لكن على المتعامل مع وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة فهم ما تقدمه وسائل الإعلام على نطاق واسع؛ بما في ذلك التلفاز والراديو والصحف، ومن خلال جميع أنواع القنوات؛ سواء التقليدية أو عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولا يمكن الاستهتار في موضع التربية الإعلامية، بل ينبغي تعليم الأطفال الثقافة الإعلامية مثلما يتعلمون النظافة الشخصية والفنون وغيرها من المواضيع؛ إذ هناك أهمية لتعليم الأطفال الإعلام في سن مبكّرة، كي يتسنى لهم استيعابه في الوقت الملائم». ومن المعلوم أن «نمط استهلاك الأخبار لدى الشباب مختلف، فهُم أكثر دراية بالتقنية، ولديهم المهارة اللازمة لاستخراج المعلومات، والتحقق من دقتها».
وأختم مقالي بقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» فالإشاعات من أهم الوسائل المؤدية إلى الفتنة والوقيعة بين الناس، وإنما كانت الفتنة أشد من القتل لأن القتل يقع على نفس واحدة لها حرمة مصانة أما بالفتنة فيهدم بنيان الحرمة ليس لفرد وإنما لمجتمع بأسره. إن نشر الإشاعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم، وأسرع الأمم تصديقًا للإشاعات هي الأمم الجاهلة الفاشلة، بسذاجتها تصدّق ما يقال، وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص ولا تفنيد، وأما الأمم الواعية فلا تلتفت إلى الإشاعات، وتكون مدركة لأحابيل وألاعيب المنافقين وأعدائها، فلا يؤثر في مسيرتها، ولا يهزّ أعصابها. فمطلوب من المجتمعات دائمًا أن تكون يدًا واحدة، أعواناً على الخير، وأعواناً على البر والتقوى، يكمل بعضها نقص بعض، ويعين بعضها بعضاً. ولعلاج الشائعات لا بد من عدّها سلوكاً مرذولاً، منافياً للأخلاق النبيلة والسجايا الكريمة والمثل العليا. وكذلك التحذير من الغيبة والوقيعة في الأعراض، والكذب والبهتان والنميمة، بين الناس.