اشتغل الناس في صيد الأسماك قديماً بالسفن الخشبية والشراعية والشباك المصنوعة يدوياً وكانت المهارات المطلوبة حينها هي في معرفة البحر ومواقع النجوم والقدرة على الإبحار في مختلف المواسم والاستفادة من حركة الرياح ومعرفة أماكن تجمّعات الأسماك.
ثم تطور الأمر شيئاً فشيئاً حتى دخلت المحركات والشباك الصناعية والسنارات والأقفاص وأنواع كثيرة من المُعدّات لصيد الأسماك، ودخل معها أجهزة تعقب لتجمعات الأسماك مدعمة بالأقمار الصناعية ومختلف الأجهزة الحديثة وصار لِزاماً على العاملين فيها معرفة كيفية استخدام هذه المعدات من رادارات وأجهزة اتصال وملاحة وامتلاك الخبرة للتعامل مع المشاكل التي قد تحصل وسط البحر.
ومثل التطور الذي حصل في مجال البحر وحجم التغييرات التي طرأت على طبيعة وظائف العاملين فيه من بحارة وصيادين وغيرهم والمهارات المطلوبة للنجاح فيها فقد حصل التغيير في غالب المجالات والقطاعات من حولنا، ولا تكاد تجد مجالاً أو تخصصاً إلا وقد تغيّرت ملامحه وطبيعة الوظائف والمهارات المطلوبة للنجاح فيه خلال العشرين سنة الماضية.
ومع التغييرات التي ستطرأ ستتغير شكل الوظائف والمهام المطلوب إنجازها، وسيتمّ إلغاء وظائف ودمج أخرى في مسمّيات جديدة، وستشتد الحاجة لمهارات مختلفة عما هو مطلوب الآن.
وما يحتاج إليه الطلبة هو المرونة الكبيرة وتقبّل هذه التغييرات التي تحصل في الواقع وسرعة التأقلم معها والاطلاع المستمر على الجديد في التخصّص والمهارات التي سيكون لها الثقل في سوق العمل مستقبلاً. فما الذي يمنع طالباً بالطب من متابعة الجديد من تقنيات علاجية وأجهزة وسُبل لتشخيص المرضى قد يتمّ تطبيقها حين تخرّجه من الجامعة؟
وماذا سيضرّ طالب التصميم والجرافيك من تتبّع البرامج الجديدة في التصميم والتقنيات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجاله والتي بالمناسبة ستجعله في مصاف الطلبة وستساهم في إبرازه في التخصص أولاً وفي سوق العمل لاحقاً.
حتى في مجال القانون قد تظهر برمجيات تساعد في تحليل ملفات القضايا وتساهم في كشف الحقيقة أسرع من الطرق المعمول بها الآن. فالتغيير سيَطال جميع الوظائف والمجالات ولا يعلم المرء كيف سيكون شكل الوظائف في الغد؟