زاد الحماس وارتفعت الأصوات بين مجموعةٍ من طلبة إحدى المدارس الخاصة وهم يخططون لرحلاتهم الصيفية مع أهاليهم إلا قلّة منهم، وهما نور وسها اللتان انسحبتا بهدوء من ذلك الصخب، ودار بينهما هذا الحوار: سها: ألن تسافري مع أسرتك هذا الصيف؟
نور بثقة: كلا، فسفر الترفيه ليس من أولويات عائلتي، فأبواي موظفان وليسا من أصحاب الثروات، ويعملان بجهد كي يوفرا لنا التعليم الجيد، وأنا وإخوتي نقدّر لهما هذا الجهد، ولكن ماذا عنكِ؟ فأنتِ من أسرة ميسورة الحال؟!
سها بألم: صحيح ما تقولين بشأن وضعي المادي، فمصروفي الشهري قد يعادل راتب أبيك، ولكن ليس لي أسرةٌ أُسافر معها، فأبواي منفصلان ولكلٍ منهما حياته الخاصة، ويتقاذفان مسؤوليتي بينهما، وأعيش مع جدتي الضريرة.
فتحت نور عينيها بتعجب وحدّقت بزميلتها قائلة: ولكنك بحمد الله فتاة مستقيمة السلوك.
تنهدت سها بعمق ثم قالت: نعم فهذا ما تعلمني إياه قدوتي الأولى جدتي التي احتضنتني بعد انفصال والديّ، تخبرني بأن الدروب في الدنيا موحلة ورخوة، ومن الضروري أن أضع قدماي فوق الحجارة الثابتة فقط.
حوار عقلاني بين فتاتين نضجتا قبل أوانهما، فأقدامهما ثابتة على طريق منحدرٍ زلق، ولكن كلاً منهما اختارت حجراً مختلفا عن الأخرى وإن كانت بينهما مشتركات، فنور محميةٌ بأسرة مستقرة حددت أهدافها ورؤيتها بأهمية التعليم، وحرصت على توصيلها لأبنائها بكل وضوح لبلوغها، أما سها ورغم غياب الأبوين، إلا أن جدتها كفيفة البصر حادة البصيرة، استطاعت أن ترشدها بأهمية القيم لطريق الاستقامة.
الأهداف النبيلة أثمانها عالية، وبلوغها يتطلّب عبور الطرق الزلقة بحذرٍ للوقاية من السقوط، والوقاية تتحقق بالثبات على الأحجار الكبيرة من القيم الإنسانية.
فنحن بشر متشابهون ولكننا نختار تميزنا عن الآخرين بسلوكنا، فعاداتنا السلوكية هي مرايا مستقبلنا، فعلينا أن نختار قيمة مرايانا.