عباس المغني وسماهر سيف


صاحب اليد البيضاء، الرجل المعطاء الذي وهب نفسه لمساعدة الآخرين، النبراس المضيء، بشوش الوجه حسن المحيا، من أصحاب العقول النيرة المفكرة والقلوب الكبيرة العامرة بالإيمان، والشخصية العقارية البحرينية العربية المميزة، متخذاً من "الأمانة والصدق وحسن المعاملة أسس العمل العقاري" شعاراً في حياته.

الدكتور حسن إبراهيم كمال، الذي واصل مسيرة والده إبراهيم بن حسن كمال -رحمه الله- في الربط بين العملين التجاري والخيري، وهو نائب الرئيس ورئيس المكتب التنفيذي في اللجنة الوطنية للمسنين، والأمين العام لجمعية البحرين الخيرية، وعضو مجلس أمناء المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، وعضو مؤسس لجمعية البحرين لرعاية الوالدين، وعضو مجلس إدارة كل من صندوق النفقة، وصندوق العمل الأهلي والاجتماعي. رجل أعمال بحريني، حاصل على دكتوراه اختصاص الإدارة العقارية، ورئيس اللجنة العقارية الخليجية.

وفي حوار خاص اتسم بالعفوية والبساطة، استرجعت "الوطن" مع حسن كمال أبرز ذكرياته، وتغلغلت في تفاصيل حياته، وسلطت الضوء على أبرز محطاته، وتشاركت معه لحظاته. وفيما يأتي اللقاء:


الوطن: حدثنا عن طفولتك وأبرز ذكرياتك، وبدايتك؟

- ولدت في المحرق، بمنطقة محطة السيارات القديمة، ونشأت في بيئة اجتماعية مترابطة متماسكة، يقدر فيها الصغير الكبير، ويحترم فيها كل فرد الآخر بيئة قائمة على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، المبادئ السمحة التي تجعلنا دائماً نفكر في قضية العمل الاجتماعي النابع من أصالة الشعب، وتربيت على قيم أخلاقية إنسانية.

كانت البيوت مفتوحة على بعضها البعض، ولقاءاتنا كأطفال كانت مع جميع أبناء "الفرجان"، كنا نكون فرقاً رياضية صغيرة للعب في الحواري والشوارع، ومن خلال هذا التواصل تكون العلاقات الإنسانية، وأذكر أننا درسنا بمدرسة المحرق الابتدائية الشمالية وكان ذلك في منتصف الخمسينيات، ومن ثم انتقلنا إلى مدرسة الهداية الخليفية لدراسة المرحلة الإعدادية، ثم إلى ثانوية المنامة وكان ذلك في فترة الستينيات، وفي تلك الفترة قام والدي بشراء سيارة صغيرة، كنت أقوم باصطحاب أصدقائي وإخواني معي للمدرسة بها، أنهيت دراستي للمرحلة الثانوية العامة في عام 1968، تعرفت في هذه المرحلة على العديد من الشخصيات الإنسانية والتعليمية والتربوية، أذكر منهم أستاذ حسن المحري، والراحل عبد الملك الحمر الذي كان مدير المدرسة.

بعدها انتقلت إلى جمهورية مصر وبالتحديد إلى الإسكندرية لدراسة الجامعة، بكلية التجارة، وانتهيت من الدراسة في عام 1973، وشهدت خلال هذه الفترة مرحلتين إحداهما لجمال عبدالناصر والأخرى لأنور السادات، عايشنا فترة النكبة في مصر، حيث ذهبت بعد نكسة حزيران وانتهيت من الدراسة قبل حرب أكتوبر والانتصار، وفي هذه الفترة عشت صمود الشعب المصري وهو يناضل من أجل استعادة أرضه سيناء.

يجب أن أشيد بدور جمهورية مصر العربية "مصر العروبة وأم الدنيا"، البلاد العظيمة التي أتاحت لي ولغيري من جميع الدول العربية الدراسة بها بشكل مجاني".

أنهيت دراستي الجامعية وباشرت العمل، ولم أتوظف، وليس لدي إحساس بالوظيفة، أو بإحساس انتظار الراتب في نهاية الشهر، فقد انضممت للعمل في مكتب والدي الخاص بالعقارات، وبدأت ممارسة العمل العقاري منذ 1973، ومازلت أمارسه حتى اليوم أي ما يقارب 48 سنة.

أحسست أن العقار يحتاج لمقاييس معينة، وأول مقياس بها وهو ما كان والدي -رحمة الله عليه- يحثني عليه هو الصدق والإحساس بالمسؤولية، وهي المبادئ التي سرت عليها، بدأت بكسب علاقات تجارية وتعرفت على كثير من تجار البحرين آنذاك، وتعمقت في مجال العقار وكل ما يتعلق بفن تسويق العقار، واستهوتني العملية، وخاصة أن أول صفقة لي بعد أسبوع من عملي عادت علي بشيك بقيمة 200 دينار، سعدت بها وقلت في نفسي "أسبوع بـ 200 دينار، إذن لا داعي للوظائف".

بدأت المشوار العقاري منذ ذلك التاريخ، واكتسبت من خلال اتصالي بمجموعة من المستثمرين العقاريين من داخل البحرين وخارجها وبالذات من دولة الكويت الشقيقة، وتمكنت خلال هذه الفترة من جعل العقار والتداول العقاري والعمل العقاري شغلي الأساس، ولم أغير اتجاهي خلال تلك السنوات الطويلة.

الوطن: علاقتك بوالدك "رحمة الله" وإخوتك؟

- والدي -رحمه الله- هو مثلي الأعلى في الحياة، أعتز وأفتخر بهذا الأب، الذي غرس فيّ ثلاثة أمور أساسية وهي مبادئ الدين الصحيحة وحب الوطن وحب الأسرة والانتماء إليها، وظلت هذه القيم نبراساً لحياتي، وحرصت على غرس هذه القيم في بناتي وابني.

الوطن: أول سيارة قدتها؟

- حصلت على رخصة السياقة وأنا في عمر الـ17 عاماً، وكانت فرحتي غامرة وقمت بتوزيع "البيبسي" على الجميع، وكانت أول سيارة اشتراها لي والدي بـ400 دينار وكانت "فولسفاكن" خضراء اللون، رقمها 1222، وظلت معي حتى مراحل الجامعة، وثاني سيارة كانت "ألفا روميو" إيطالية الصنع لونها أحمر وكان رقمها 7444، ومازلت أحتفظ بهذا الرقم وكان في عام 1970، وكانت أول سيارة قمت بشرائها من جيبي الخاص في عام 1973، "فورد" زرقاء اللون من وكالة فاروق المؤيد بـ2900 دينار كاش، ثم قمت بشراء عدد من السيارات من دول الخليج المختلفة على مر السنوات.

الوطن: عرفنا أنك من محبي القراءة والثقافة.. حدثنا عن هواياتك المختلفة؟

نعم أهوى القراءة ولدي عدد من المكتبات الخاصة في العمل والمنزل، وأتلقى العديد من الكتب كهدايا، وفي البداية كنت أقرأ القصص الواقعية والشعر، وكنت أحب الشعر القديم للمتنبي وعنترة والذبياني، وكنت أمين مكتبة المدرسة الأمر الذي زاد حبي للقراءة، وأعير الكتب للطلبة وأشجعهم على الاطلاع، وكان للوالد مكتبة كبيرة بالبيت غنية بالكتب الثقافية السياسية الاقتصادية الأدبية، ومن ثم اتجه ميولي إلى الجانب الأدبي في الشعر الحديث، وكنت أقرأ أيضاً لأمل دنقل وهو شاعر مصري قومي عربي، وفؤاد نجم، ومحمود درويش وتفاعلت مع كتاباته وأشعاره، ومن البحرين أحب شعر أحمد بن محمد الخليفة وشعر علي عبدالله خليفة.

ومن ثم انتقلت لقراءة السياسة وكنت مولعاً بمحمد حسنين هيكل، وخلاف ذلك وبحكم دراستي ملت للكتب الاقتصادية فقرأت العديد من الكتب الأجنبية المترجمة، وأود أن أشير إلى أن المكتبة العربية ينقصها العديد من الكتب المتخصصة الاقتصادية، لذلك أتمنى من الجامعات في البحرين أن تنظر للنواقص في المكتبة العربية والمكتبة البحرينية وتسخر جزءاً من الباحثين الطلبة والأساتذة لإعداد الكتب عن اقتصاديات البحرين، لتكون مراجع للباحثين مستقبلاً.

الوطن: لماذا غيرت مجال دراستك من الحقوق إلى التجارة؟

- أحسست أن مجال الدراسة في تخصص الحقوق يعتمد على الحفظ أكثر من الفهم، وكانت كتب الحقوق تحتاج إلى قراءات وتفرغ وتحتاج لملكة الحفظ، وأنا لم أمتلكها، وخصوصاً أني أعتمد على الفهم بشكل أكبر، ورأيت أن هذا لم يكن طريقي لذلك طلبت التغيير إلى التجارة، وخاصة أنني خرجت من البحرين وأنا ابن تاجر وظلت التجارة في بالي.

الوطن: كيف تقوم بتقسيم وقتك خلال اليوم؟

- وقتي مقسم كالآتي: ثلث لعملي وللقمة العيش، وثلث لأسرتي أولادي وأحفادي، وثلث للعمل الإنساني الخيري التطوعي، حيث أني مشترك في 15 مؤسسة خيرية وإنسانية في البحرين، وهذا التقسيم يضمن لي القدرة على العطاء وعدم الخلط أو التقصير، كما يضمن لي الراحة.

الوطن: علاقتك بالعمل الخيري، وجمعية البحرين الخيرية؟

- تأسست الجمعية في نوفمبر 1979 على يد الوالد -رحمه الله- وعدد من رجالات البحرين، بدأنا بـ100 أسرة فقيرة، ووصلنا اليوم إلى 2000 أسرة، وأنا عضو في مجلس الإدارة منذ عام 1986، استمر عمل الجمعية 42 عاماً وسيظل لخدمة المجتمع وتقديم يد العود لكل محتاج.

الوطن: موقف لم تنسه حتى اليوم؟

- أذكر في مرة وفي إحدى زياراتي مع الوالد للشيخ عيسى رحمة الله عليهما، سألني الشيخ عيسى "وين تبي تشتغل، تبي وظيفة أو مكان معين"؟ فقلت له "طال عمرك أنا أتمنى أني أستمر مع الوالد" فالتفت إلى والدي وقال له: "يا إبراهيم أهنيك على هذا الولد المخلص الوفي"، وأحسست بقيمة الجملة التي كانت بمثابة دفعة لأن التصق أكثر بوالدي، وأسير على خطاه ومنواله ودربه، وخصوصاً بعد أن هنأه "قمة البلد" بي، وهذه الجملة أسعدتني وظلت مصدر فخر وسعادة لي.

الوطن: هل انتهجت مبدأ والدك في تربية أبنائك؟

- نعم، وسرت على نفس الخطوات في زرع قيم الدين والأخلاقيات المجتمعية الطيبة في احترام الآخرين، وعدم التدخل في شؤون الغير إلا في حال طلب العون والمساعدة.

الوطن: حدثنا عن زواجك وفرحتك بأول مولود؟

- تزوجت زواجاً تقليدياً فزوجتي هي بنت عمتي متأخر نسبياً حيث إنني كنت ضد الزواج السريع، اخترتها وبارك والدي هذا الاختيار، وكانت وظلت الزوجة الوفية المخلصة الفاضلة، ساندتني في مسيرة حياتي، كانت الداعم الأول لي، ربت أبنائي تربية صالحة، وقدمت لهم كل الحب والحنان، أتمنى لها طول العمر ودوام الصحة والعافية، "والله يقدرني على رد جميلها".

ولدت ابنتي الأولى راوية في المستشفى العسكري، ولادتها كانت فرحة عارمة، غمرني إحساس بأنني بت أباً وكانت نقطة تحول في حياتي، حيث وجب علي من هذا اليوم التحدث كأب والتصرف كأب، أحسست بقيمة البنت وخلفة البنات وخصوصاً أنني أنجبت ثلاث بنات في البداية ثم رزقت بالولد، وبعد ولادة الأولى بأسبوع قمت بشراء عمارة، وبعد ولادة ابنتي الثانية اشتريت فيلا، وعندما رزقت بالثالثة اشتريت أرضاً في ديار المحرق وبنيتها، وعندما أتى ابني فيصل اشتريت شقتين وبناية، وأتى كل واحد منهم بخيره، وكانوا مكسباً في حياتي.

الوطن: هل أنت من محبي السفر، وحدثنا عن زيارتك للقدس؟

- نعم ولكني من محبي السفر المفيد، حيث أسافر للعمل أو لتلبية دعوات، أو لزيارة مريض، وزرت فلسطين 3 مرات، وصليت في القدس، وزرت مقر إقامة ياسر عرفات، ودخلت إلى مكتبه ومنزله، وقمنا بزيارة للضفة الغربية والحرم الإبراهيمي، وكنيسة القيامة، وزرنا مدارس المقدسيين.

صور