أميرة صليبيخ




نحن كائنات مُستهلِكة بالدرجة الأولى؛ همها الأكبر هو الطعام، وحتى نسّد جوعنا في الوجبات الثلاث أو الأربع فإننا نقضي جزءاً كبيراً من اليوم في التفكير في الوجبة القادمة، سواء عن طريق تحضيرها وشراء مستلزماتها أو طلبها عبر تطبيقات التوصيل، ولا نكاد نُنهي هذه الوجبة حتى نبدأ رحلة التفكير في وجبتنا الشهية القادمة. فالطعام هو الموضوع الأساسي والمشترك في كل الجلسات واللقاءات وربما هو محور الحياة لدى البعض.


فنحن نأكل عند الفرح وعند الحزن وعند القلق وقبل النوم، وقبل التمرين الرياضي وبعده، وعند ركوب السيارة وعند الوصول إلى مقر العمل وعند مشاهدة التلفاز وخلال التجمعات وبعدها؛ أكل يسبقه أكل ويتبعه أكل.

فلا عجب أن يتحول الدماغ بمرور الوقت إلى مصنع متطور للتفكير في الطعام والتفنن في تخيله عند الجوع. إن إلقاء نظرة سريعة على نفقاتك الشهرية ستجعلك تدرك أن الطعام يستهلك الجزء الأكبر من الراتب عند كثير من الموظفين وكأنك تعمل وتكدح طوال الشهر من أجل أن تطعم بطنك وتسد جوعك فقط، كأن وجودك في هذه الحياة مقتصر على هذه المهمة وعليك أن تنفذها على أكمل وجه.

لكن هناك جوع من نوع آخر، أشرس من جوع المعدة. لا يسده الطعام ولا يروضه صيام، هو شعور داخلي بأن هناك فراغاً كبيراً في داخلك. ما أقصده هو الجوع الروحي؛ شعورك المستمر بأن هناك شيئاً ما يتآكل من الداخل. فعلى عكس جوع الطعام، لن تصدر معدتك أية أصوات لتعلن حالة الجوع لديك على الملأ كله، بل سيكون هناك صوت لن يسمعه سواك، يصدح في روحك دون توقف. وهذا الوضع نابع من الخواء الروحي الذي تعيشه لأنك أساساً فارغ مثل الطبل ومثل المعدة الداخلية، لا هدف لديك ولا طموح، تعيش كأنك إضافة لا قيمة لها، في حين أنه بإمكانك عمل الكثير لجعل الحياة أسهل على نفسك وعلى الآخرين، وأن تكون نافعاً ذا أثر.

عليك أن تحفر بداخل نفسك، غص بداخل هذا المحيط الذي يسكنك وتعرف على أعماقك جيداً، جميعنا نحمل في داخلنا هذه الحفرة التي تشدنا إليها لتبلعنا داخل ظلامها، ولكن ما يبقينا بعيداً عنها هو إيجاد هدف سامٍ لأنفسنا نعيش من أجله. وتذكر أنك كإنسان مكون من خليط روحي ومادي، فلا تسرف في سد جوع معدتك وبعدها تنسى أن تطعم روحك أيضاً، وإلا ستعيش جائعاً طوال العمر لن تكفيك وجبات العالم بأسره.